كان المفهوم السائد في الوقت الذي عاش فيه نصير الدين الطوسي ( المتوفي 672 هـ 1274م) هو مفهموم مركزية الارض -اي ان الارض هي مركز الكون-أنتقد الطوسي هذا النظام وحاول ايجاد بدائل له وحل الاكوانت. تمكن الطوسي من ابداع طريقة رياضية عرفت فيما بعد بمزدوجة الطوسي نقضت نظرية أرسطو والتي كانت تنص على ان الحركة اما خطية واما دائرية حيث أثبت الطوسي بانه من الممكن ان تنتج حركة خطية من حركتان دائريتان.وأستعمل هذه التقنية لحل أشكالية النظام البطلمي الاكوانت للعديد من الكواكب.لكنه لم يستطع ايجاد تفسير لحركة عطارد, والتي حلت لاحقا من قبل ابن الشاطر بالاعتماد على مزدوجة الطوسي.
وصف بعض المؤرخين أعمال فلكيي مراغة (المرصد الذي بناه الطوسي)في القرنين الثالث عشر والرابع عشر بثورة مراغة أو ثورة مدرسة مراغة أو الثورة العلمية قبل عصر النهضة. من أهم أوجه هذه الثورة هو إدراك قدرة علم الفلك على وصف الأجسام الفيزيائية بلغة رياضية ووجوب عدم بقاء علم الفلك فرضيات رياضية لأن ذلك يوثق الظاهرة فحسب. أدرك فلكيو مراغة أن نظرة أرسطو للحركة بوصفها إما خطية أو دورانية غير صحيحة كما أظهرت مزدوجة الطوسي أن الحركة الخطية يمكن إنتاجها بحركات دورانية.
على عكس الفلكيين الإغريق والهيلينيين، الذين لم يعنوا بالتوفيق بين مبادئ الفيزياء ومبادئ الرياضيات لنظرية الكواكب، أصر الفلكيون المسلمون على جمع الرياضيات بالعالم الحقيقي المحيط بهم، والتي تحولت من حقيقة مبنية على فيزياء أرسطو إلى حقيقة مبنية على الفيزياء الرياضية والاستنباطية بعد عمل ابن الشاطر. لذا تميزت ثورة مراغة بالابتعاد عن الأسس الفلسفية لكونيات أرسطو وفلك بطليموس والاتجاه نحو التركيز على الملاحظة التجريبية وترضية الفلك وبشكل عام الطبيعة كما جاء في أعمال ابن الشاطر والقوشجي والبيجرندي والخافري.
تمثيل ابن الشاطر لمواضع ظهور عطارد يبين تضاعف التدوير باستعمال مزدوجة الطوسي فألغى بذلك نظرية الإكوانت والتباين المركزي لبطليموس. تضمنت إنجازات مدرسة مراغة أول دليل رصدي تجريبي لدوران الأرض حول محورها وكان ورائه الطوسي والقوشجي والفصل بين فلسفة الطبيعة وعلم الفلك الذي قام به ابن الشاطر والقوشجي وتفنيد ابن الشاطر لنظام بطليموس على أسس تجريبية لا فلسفية وتطوير نظام لا بطليموسي، من قبل ابن الشاطر أيضا، والذي كان رياضيا مطابقا لنظام كوبرنيكوس شمسي المركز
ويعتقد العديد من العلماء بان مزدوجة الطوسي وجدت طريقها لمكتبة الفاتيكان بعد سقوط القسطنطينية عام 1453م لتصل الى نيكولاس كوبرنيكوس الذي اعتمد عليها في نظريته الشهيرة مركزية الشمس والتي غيرت علم الفلك جذريا وانهت الاعتقاد السائد بان الارض هي مركز الكون
وقد وُجدت صورة ” مزدوجة الطوسي ” أو ” ثنائية الطوسي ” في كتاب كوبرنيكوس «في دوران الأجرام السماوية» المطبوع سنة 1543 م
يعتبر كتاب (المقدمة الآجُرُّومية في مبادئ علم العربية) لابن آجُرُّوم الصنهاجي (المتوفي 723 هـ /1323م) أهم كتب النحو العربية. يبين الكتاب أنواع الكلام وإعرابه. وقد عرض كل ذلك بإيجاز دون أن يكون ذلك على حساب الإيضاح. فبين في باب الإعراب باب معرفة علامات الإعراب ثم عقد فصلاً في المعربات ثم أتبع ذلك بباب الأفعال، حيث بين أنواعها وأحوالها وإعراب كل حالة وانتقل إلى باب مرفوعات الأسماء ومن ثم باب الفاعل وباب المفعول وبعدها تناول باباً آخر في المبتدأ والخبر والعوامل الداخلة عليه، ومن ثم تحدث في أبواب لاحقة عن النعت والعطف والتوكيد والبدل والمتعديات من الأسماء والمفعول به والمصدر وظرف المكان والزمان، والحال والتمييز والاستثناء والمنادى والمفعول لأجله (المفعول من أجله) والمفعول معه ثم اختتم المتن بالمخفوضات من الأسماء. لآجرومية تعتبرأساس الدراسات النحوية للمبتدئين في مبادئ علم اللغة العربية. وقد طبعت المقدمة عدة طبعات في البلاد العربية وفي روما وباريس ولندن وميونيخ مع ترجمات إلى اللاتينية والفرنسية والإنجليزية والألمانية. واعتبرها العلماء أساس الدراسات النحوية للمبتدئين لسهولتها.
(أطلق على النصف الثاني من القرن العاشر عصر الجورجاني
وأطلق على النصف الأول من القرن الحادي عشر عصر البيروني),
الحدث
الاسم
عام
الاصل
أشهر علماء الجبر ابتكار مثلث باسكال أهم كتب التراث التي تعرضت لموضوع المياه الجوفية واستخراجه
الكرجي
المتوفى سنة 410 هـ/ 1020م
فارسي
المؤسس الرئيسى للجيولوجيا عند المسلمين أوائل من درسوا المعادن وتحدث عن نظرية تكوين الصخور والجبال أفضل ما كتب عن الزلازل أشهر الكتب الطبيّة التي تحدثت عن التداوي بالأعشاب والنباتات الطبيعيّة صاحب أوائل دساتير الأدوية في العالم فطن الى تأثير الأحوال النفسية على الجهاز الهضمي وأوّل من قدّم شرحًا تفصيليًّا عن كسور العظام العالم المسلم الاكثر تأثير على علماء الغرب في علم النفس أهم مؤلفات العرب في مجال الرياضة
ابن سينا
المتوفي427 هـ 1037م
فارسي
أول من أسس طب العيون كمنهج جديد بالبحث العلمي
علي بن عيسى الكحال
المتوفي 430هـ 1039م
عربي
أوَّل من درس عدسةَ العين أقدم مخطوطة تتعامل مع تأثير الموسيقى على الحيوانات أول من قدر إرتفاع الغلاف الجوي رائد المنهج العلمي الحديث وواضع أسس البصريات الفيزيائية الحديثة
ابن الهيثم
المتوفي 430 هـ 1040م
عربي
أوائل من طبقوا علم المثلثاث في إيجاد خطوط الطول أبرز الدراسات الأنثروبولوجية اختراع أول جهاز لقياس الوزن النوعي للمعادن والأحجار الكريمةوالاشارة إلى المستحجرات
أبو الريحان البيروني
المتوفي440هـ 1048 م
فارسي
أهم الكتب في دراسة عقائد أصحاب الملل الغير إسلامية
إبن حزم
وانتهى منه بجزيرة ميورقة سنة440 هـ/1048 م
عربي
أول مخطوطة في علم المثلثات الكروي
ابن معاذ الجياني
المتوفي 442هـ 1050م
عربي
“رسالة الغفران ” واحدا من النصوص الرئيسية في تاريخ النثر العربي
لأبي العلاء المعري
المتوفي 449 هـ 1057م
عربي
أبرزأعلام الفكر السياسي الإسلامي
الماوردي
المتوفي450 هـ 1058 م
عربي
أشهر كتب تقويم الصحة
إبن بطلان
المتوفي 456 هـ 1064م
مسيحي عربي
أهم الكتب المختصة في علم الأنساب واكتشاف القرابة اللغوية بين كل من العربية و العبريــــــة و السريانية
ابن حزم الأندلسي
المتوفي عام 456هـ /1064م
عربي
من أضخم المعاجم العربية
لابن سيده
المتوفي 458 هـ 1066م
عربي
إنشاء المدرسة النظامية في بغداد، الهجري تشرف عليها الدولة
وأطلق على النصف الأول من القرن العاشر عصر المسعودي)
الحدث
الاسم
عام الوفات
الاصل
أهم كتب المصادر في مجال التاريخ صاحب أشهر الكتب الإسلامية المختصة بعلم تفسير القرآن الكريم
الطبري
المتوفي عام 310 هـ 923م
فارسي
أقدم الأعمال العربية في مجال أخلاقيات الطب أقدم مراجعة الأقران الطبية
إسحاق بن علي الرهاوي
القرن الرابع الهجري العاشر ميلادي
عربي، مسيحي
أهم الكتب المؤلفة التي تربط علم التغذية و الحياة الصحيّة ابتكار خيوط الجراحة وإستعمال الكحول في تطهير الجروح أبرز علماء الطب الأسنان تقطير الكحول إنتاج الكيروسين أول دراسة متعمقة لأمراض المعدية أول من اكتشف الربو التحسسي إستخدام طريقة التبخير فى العلاج أمراض الجهاز التنفسي
الرازي
المتوفي 311هـ 923م
فارسي
وضع النظام الإحداثي لنجوم الأكثر بساطة
جابر بن سنان
المتوفي 315هـ 929م
عربي
أول من فك رموز الكتابة المصرية القديمة
ابن وحشية
المتوفي عام 318هـ/930م
عربي
أول مقارنة ثلاثية بين العربية والعبرانية والآرامية
يهودا بن قريش
المتوفى في القرن العاشر ميلادي
يهودي
وضع الرخصة الطبية إلزامية
في خلافة المقتدر
المتوفي 320هـ 932م
عربي
أول من أفرد في علم الاشتقاق
ابن دريد
المتوفى 321هـ933 م
عربي
أول كتاب يتحدث عن حفظ صحة البدن والنفس و قسم الأمراض إلى أمراض بدنية وروحية
أبو زيد البَلْخِي
المتوفي 322 هـ 934م
افغاني
ﺃﻭل ﻤﻥ ﺘﺤﺩﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﺫﺒﻴﺔ ﺍﻷﺭﻀﻴﺔ
أبو محمد ﺍﻟﻬﻤﺫﺍﻨﻲ
المتوفي 334 هـ 945م
عربي
أول من تحدث عن المدينة الفاضلة من منظورٍ عربيٍّ إسلامي
الفارابي
المتوفي 339 هـ950 م
تركي
أبرز علماء الجغرافيا العرب
المسعودي
المتوفي 346 هـ 957م
عربي
أقدم وصف أجنبي لروسيا
أحمد بن فضلان
المتوفي349 هـ 960م
عربي
أعظم شعراء العرب
أبو الطيّب المتنبي
المتوفي 354هـ – 965م
عربي
أول من دون ملامح تشكيل المجتمع التشيكي
إبراهيم بن يعقوب
المتوفي 355 هـ 966م
يهودي
أعظم كتب الأدب العربي (كتاب الأغاني)
لأبي الفرج الأصفهاني
المتوفي 362هـ – 973م
عربي
إكتشاف عجينة باريس التي تستخدم لتجبير العظام
أبو منصور الموفق بن علي الهروي
المتوفي 365هـ 976م
عربي
أول من تخصص في طب الأطفالأول كتاب في طبّ المشائخ وحفظ صحّتهم ،و رائد طب الفقراء
إبن الجزار
المتوفي 369 هـ 979 م
عربي
أول قانون إنكسار
ابن سهل
كتب 373هـ – 984م
فارسي
أهم خرائط النجمية في قرون الوسطىإكتشاف سحابتي ماجلان الكبرى والصغرى و رصد مجرة أندروميدا
عبد الرحمن الصوفي
المتوفي 376 هـ 986م
فارسي
اكتشاف لمرض الجدري الكاذب
البلدي
المتوفي 380 هـ 990 م
عربي
أول من وضع فهرساً موحداً للعلوم المختلفة
إبن النديم البغدادي
المتوفي 384هـ – 994م
عربي
أولَ من أفرد المباحثَ الصوتية بمؤلَّف مستقل
إبن جني
المتوفي 392هـ 1002م
رومي
ظهور فن المقامة
بديع الزمان الهمذانى
المتوفي 395 هـ1004 م
عربي
توصل الى قانون حفظ الكتلة
المجريطي
المتوفي 398هـ 1007م
عربي
أول رصد علمي لكسوف الشمس وخسوف القمرإختراع البندول أو رقاص الساعة
ابن يونس المصري
المتوفي 399هـ 1009 م
عربي
أشهر الكحالين المسلمين
عمار بن علي الموصلي
المتوفي 400هـ 1010م
عربي
أشهر جراح في العصور الوسطىومبتكرآلات جراحية ومخترع زراقة (الحقنة العادية).أول جراح أسنان في التاريخ أول من أجرى عملية استئصال الغدة الدرقية
من بين العلماء الذين تركوا بصمتهم في تاريخ العلم الإسلامي فيما يتعلق بكسوف الشمس، عالم الفلك العثماني إبراهيم حقي الأرضرومي المتوفي سنة 1194هـ 1780م، بإيضاح ظاهرتي كسوف الشمس وخسوف القمر بصورةٍ هندسية، كما أثبت من خلال دراساته فروق التوقيت بين المدن، فأعد جدولًا يضم 100 مدينة مختلفة لفروق التوقيت بينهم. و كان من أوائل المسلمين من درس علم الفلك ما بعد كوبرنيكوس كفرضية تستحق المناقشة
يقول د محمد عمارة عن الحضارة الإسلامية والتعددية الحزبية “كثيرون من الناس يظنون أن تبلور الأفكار والأيديولوجيات السياسية في أحزاب منظمة ومتعددة، هي ظاهرة من الظواهر التي تميزت بها الحضارة الغربية قبل غيرها، وأن أمم الحضارات الأخرى قد أخذتها عن الغربيين، وإذا كانت الجزئية الأخيرة – وهي أخذ الشعوب غير الغربية ظاهرة التعددية الحزبية عن الغرب – صحيحة فإن السبب في ذلك هو تأثر النهضات الحديثة لهذه الشعوب بالنموذج الحضاري الغربي، بسبب التأثير والهيمنة الغربية الحديثة والمعاصرة على حضارات تلك الشعوب.”
أما فيما يتعلق بتاريخ وأصالة ظاهرة التعددية الحزبية في الفكر والعمل السياسي، فإنها – وعلى الأخص في النموذج الحضاري الإسلامي – قديمة وعريقة .. وسابقة على معرفة الغرب لها بقرون.
ذلك أن «مشروعية» التعددية السياسية، في النظرة الإسلامية، إنما تتأسس على «مشروعية» التعددية بإطلاق .. والإسلام يرى التعددية سنة من سنن الله سبحانه وتعالى، في كل ما عدا الذات الإلهية.. فالواحدية هي لله وحده، وما عداه قائم على التعدية، والازدواج، والتوازن، والارتفاق. فالتعددية والاختلاف هي القاعدة والأصل.. وهي سنة الله سبحانه وتعالى، في الخلق المادي وفي الاجتماع البشري، وفي الآراء والأفكار.. والمفسرون في تفسيرهم لقوله سبحانه ﴿وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ يقولون: «وللاختلاف خلقهم» . ففي «الأصول» – أصول العقيدة والشريعة والأخلاق – هناك «وحدة» هي التي تحقِّق للأمة الإسلامية وحدتها عبر الزمان والمكان، ضامنة لها وحدة الهوية والجوهر، والتواصل الحضاري .
أما في «الفروع» – التي تشمل تفاصيل العمران ومتغيِّرات السياسة والاجتماع والاقتصاد والنظم والتنظيمات.. فإن «التعددية» واردة.. وفي إطار هذه «الفروع» يأتي الاجتهاد والتجديد، لا كمجرد «حقوق» للإنسان؛ بل «كفرائض» إلهية على هذا الإنسان .. فهناك مساحة «للوحدة» – وحدة الأمة في «الأصول» – لا يجوز فيها الافتراق، ولا التعددية، ولا التحزب .. وهناك مساحة «للتعددية» – تعددية الأحزاب والمدارس الفكرية والتيارات المذهبية – هي مساحة «الفروع» والمتغيرات، سواء في علوم الدين أو علوم الدنيا والعمران البشري .. ومنها سياسة الدولة والمجتمعات .
وهذا الجمع الإسلامي بين «الأصول» التي لا افتراق فيها .. وبين «الفروع» التي هي مساحة للاجتهادات والتنوع والتيارات والأحزاب.. هو الذي يحقق «التطور» – استجابة لضرورات الزمان والمكان – مع الحفاظ على وحدة الأمة في الهوية والتواصل الحضاري .. أي الجمع بين الوحدة في «الثوابت» والتعددية في «المتغيرات» ..
تلك إشارات إلى بعض من القواعد التي تتأسس عليها نظرة الإسلام للتعددية – ومنها تعددية الأحزاب السياسية .
وإذا نحن نظرنا إلى الحضارة الإسلامية، التي مثلت العمران المصطبغ بصبغة الإسلام، فإننا سنجد كل «الفرق» الإسلامية. من الخوارج.. إلى المعتزلة.. إلى الشيعة الإمامية إلى السلفية – إلى الزيدية .. إلى المرجئة. الخ.. الخ.. قد نشأت جميعها نشأة سياسية، وكانت تيارات وتنظيمات سياسية. أو كانت السياسة واحدة من أبرز مهامها وقسماتها – فهي «أحزاب» سياسية، ذات مناهج فكرية متميزة، وذات سبل متميزة في الإصلاح الفكري والسياسي(3).. وكذلك الحال – إلى حد ما – مع المذاهب الفقهية – حنفية .. ومالكية .. وشافعية .. وحنبلية .. وزيدية .. وجعفرية .. وإباضية .. وظاهرية – الخ.. فجميعها تيارات فكرية، ومدارس سياسية، وأغلبها «تنظيمات» تبلورت مناهجها بالاجتهاد الجماعي، وتميزت كل واحدة منها عن سواها برؤية في الإصلاح – الفكري والاجتماعي والسياسي – ومارست العمل لوضع هذا المنهاج في الممارسة والتطبيق .
بل إننا ننبه على أن بواكير التنظيمات الحزبية السياسية في تاريخنا الحديث، إنما جاءت امتدادًا لتراثنا المؤمن بالتعددية، وليست تقليدًا للتجربة الغربية.. فـ«الحزب الوطني الحر» الذي كونه جمال الدين الأفغاني (1254-1314هـ = 1838-1897م – بمصر – في سبعينيات القرن التاسع عشر.. وكذلك «جمعية العروة الوثقى» – التي كونها في ثمانينيات ذلك القرن – وأيضًا «جمعية أم القرى» – التي كونها عبد الرحمن الكواكبي (1270-1320هـ 1854-1902م أواخر القرن التاسع عشر.. هي تنظيمات حزبية، سابقة – في خبرات التنظيم – التي جسدتها لوائحها – على تجارب الغرب في التنظيم الحزبي.. فهي امتداد لتراثنا في التعددية السياسية والفكرية.. ولخبرات حضارتنا في التنظيمات العلنية والسرية؟!
فعلى حين عاشت الحضارة الغربية – قبل ليبراليتها الحديثة – تنكر التعددية – التعددية الدينية.. بل وحتى تعددية المذاهب داخل الدين الواحد؟! – تميزت الحضارة الإسلامية بالإيمان بالتعددية، كسنة من سنن الله في الخلق، المادي والبشري والفكري.. وتجسد إيمانها هذا في الممارسة والتطبيق
أما عن موقف الإسلام من قيام الأحزاب السياسية على «أسس طائفية ودينية»؟.. فواجب – لجلاء هذا الموقف – الإشارة إلى عدد من الحقائق:
أولا -إن الإسلام في المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية ليس فكرًا «طائفيًا»، ولا أيديولوجية «طائفة».. بل هو عقيدة الأمة وشريعتها وأيديولوجيتها .. أو على الأقل هو فكر الجمهور. فلا يصح أن يوصف الحزب الإسلامي بأنه – في هذه المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية – حزب طائفي.
ثانيا -أن الممنوع إسلاميًا هو التحزب والتفرق في أصل الدين وثوابته.. أما التعددية والحزبية في السياسة.. فإنها تعددية وحزبية فيثانيا «الفروع» وكل تيارات أهل السنة الفكرية تجعل الدولة – الخلافة والإمامة والعمران البشري – من «الفروع» . ومن ثم فالاجتهادات المتعددة، والتنظيمات والحزاب المتعددة بتعدد هذه الاجتهادات أمر وارد وطبيعي في نظر الإٍسلام .
فالأحزاب الإسلامية، تقوم وتجتهد وتختلف في «الفروع».. ومن ثم فقيامها على أساس الأيديولوجية والفكرية الإسلامية أمر طبيعي ووارد..
ثالثا -الحزب «الطائفي» هو الذي تقتصر عضويته على طائفة من المواطنين دون سواها.. وهذا هو الذي يقسم المجتمع إلى طوائف مغلقة.. وهو مالا يحقق المصلحة المبتغاة من وراء قيام الأحزاب السياسية.. وهي مصلحة المشاركة في العمل العام، والاهتمام بشؤون الأمة كلها والإسهام في العمران البشري جميعه .
المصدر مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رجب المرجب 1428هـ = يوليو – أغسطس 2007م ، العـدد : 7 ، السنـة : 31.
علم السلطان سليم الأول المتوفي926 هـ 1520م ، أحد كبارسلاطين الدولة العثمانية أن الأقليات غير المسلمة الموجودة في اسطنبول من الأرمن والروم واليهود بدأت تتسبب في بعض المشاكل للدولة العثمانية، وفي إثارة بعض القلاقل فغضب لذلك غضباً شديداً، وأعطى قراره بأن على هذه الأقليات غير المسلمة اعتناق الدين الإسلامي، ومن يرفض ذلك ضرب عنقه.
وبلغ هذا الخبر مفتي الدولة الشيخ عليّاً أفندي، وكان من كبار علماء عصره، فساءه ذلك جداً، لأن إكراه غير المسلمين على اعتناق الإسلام يخالف تعاليم الإسلام، الذي يرفع شعار {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}سورة البقرة. ولا يجوز أن يخالف أحد هذه القاعدة الشرعية، وإن كان السلطان نفسه. ولكن من يستطيع أن يقف أمام هذا السلطان، الذي يرتجف أمامه الجميع؟ من يستطيع أن يقف أمام هذا السلطان، ذي الطبع الحاد فيبلّغه بأن ما يفعله ليس صحيحاً، وأنه لا يوافق الدين الإسلامي؟. ليس من أحد سواه يستطيع ذلك، فهو الذي يشغل منصب المفتي في الدولة العثمانية، وعليه تقع مهمة إزالة هذا المنكر الذي يوشك أن يقع.
لبس جبته وتوجه إلى قصر السلطان، واستأذن في الدخول عليه، فأذن له فقال للسلطان: سمعت أيها السلطان أنك تريد أن تكره جميع الأقليات غير المسلمة على اعتناق الدين الإسلامي. وكان السلطان لا يزال محتداً فقال: أجل إن ما سمعته صحيح، وماذا في ذلك؟.
لم يكن المفتي من الذين يترددون عن قول الحق فقال: أيها السلطان إن هذا مخالف للشرع، إذ لا إكراه في الدين، ثم إن جدكم محمداً الفاتح عندما فتح مدينة اسطنبول اتبع الشرع الإسلامي فلم يكره أحداً على اعتناق الإسلام، بل أعطى للجميع حرية العقيدة، فعليك باتباع الشرع الحنيف، واتباع عهد جدكم محمد الفاتح. فقال السلطان وحدته تتصاعد: يا علي أفندي: لقد بدأت تتدخل في أمور الدولة، ألا تخبرني إلى متى سينتهي تدخلك هذا؟. فرد المفتي: إنني أيها السلطان أقوم بوظيفتي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس لي من غرض آخر وإذا لم ينته أجلي، فلن يستطيع أحد أن يسلبني روحي. فقال السلطان: دع هذه الأمور لي يا شيخ. فقال المفتي: كلا أيها السلطان، إن من واجبي أن أرعى شؤون آخرتك أيضاً، وأن أجنبك كل ما يفسد حياتك الأخروية، وإن اضطررت إلى سلوك طريق آخر. قال السلطان: وماذا تعني؟. فقال المفتي: سأضطر إلى إصدار فتوى بخلعك أيها السلطان، بسبب مخالفتك للشرع الحنيف إن أقدمت على هذا الأمر. فأذعن السلطان سليم لرغبة المفتي، فقد كان يحترم العلماء ويجلهم، وبقيت الأقليات غير المسلمة حرة في عقائدها وفي عباداتها، ولم يمد أحد أصبع سوء إليهم. فمن من علماء المسلمين اليوم سيخلع حاكمه الذي لا يحكم بما أنزل الله ؟ . وما هي المخالفة الشرعية إن لم يفعل العالم مثل فعل شيخ الخلافة العثمانية ؟ . ولا ننسى أن سليم الأول كان أكثر قوة واستطاعة البطش بالعالم الجليل لكن الله زرع في وجه العلم مهابة قد نزعها من وجوه هؤلاء في زماننا .
المصدر: كتاب صفحات مشرقة من تاريخ الأمة – الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد
الدُّستورهو عبارة عن مجموعة قواعد مكتوبة وغير مكتوبة، تحمل المبادئ والقيم المُنظّمة للمُجتمع، وتُحدّد صلاحيّات وحُدود السُّلطة السياسيّة، كما تُنظّم السُّلطات وعلاقاتها ببعضها البعض، مع الحفاظ على حُقوق وواجبات الأفراد، ويُنظّم الدُّستور الأمور الداخليّة والخارجيّة للدّولة، كما يُحدّد شكل الدّولة وحكومتها، وهو الذي يُمثّل قُوّة المُجتمع، وأي وثيقة أخرى تتعارض مع الأحكام الواردة فيه تُعد باطلة.
وقد نشات الدساتير منذ القدم رغم انها لم تعرف بالمعنى والاساليب الحديثة التي نجد عليها دساتير اليوم وانما إنبثقت كنصوص وتشريعات اسمى لتحديد العلاقات بين السلطة والافراد من جهة وبين فيما بينهم من جهة اخرى. ويرى بعض الباحثين ان أقدم قانون تاريخي بهذا المعنى الدستوري يعود الى 4200سنة قبل الميلاد عندما أصدر الفرعون مينا قانون تحوت الا ان هذا القانون كان يركز على اتجاه واحد للعلاقة وهي مسؤولية الشعب إتجاه السلطة بما أنه تضمن في معظمه العقوبات التي تنتظر المخالفين لاي أمر فرعوني. بينما يرى إختصاصيون آخرين أن القوانين التي وضعها الملك حمورابي الذي حكم بابل بين الفترة (2123 – 2081 قبل الميلاد) تعد أول وأقدم دستور مكتوب في التاريخ حيث تتجاوز مواده نحو 282 مادة قانونية وتشريعية شملت كافة المجالات وفروع القانون الاساسية وتعود شهرة هذا القانون الى البصمة التي تركها في الحضارات القديمة وروح قوانينه المجسدة في شرائع أخرى,حيث ان اليونانيين قديما عرفوا هذا المصطلح بمدلولات أخرى لتنظيم الشان السياسي في دولة المدينة على غرار القانون الذي وضعه دراكون والدستور الذي وضعه آرسطو لاثينا وفرق فيه بين القانون القانون العادي والقانون الدستوري وفي الاسلام نجد ان الوثيقة التي أعدها الرسول صلى الله عليه وسلم عند وصوله الى المدينة والتي تسمى الصحيفة هي بمثابة وثيقة دستورية وأول دستور بالمعنى المدني الحديث لتنظيم العلاقات العامة في المدينة والعلاقات بين المهاجرين والانصار والعلاقات بين مختلف الطوائف في المدينة كما أن نصوص خطبة حجة الوداع كانت بمثابة المنهاج لبناء دولة ومجتمع الاسلام مابعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الخطبة جامعة تصلح أن تدرس لكل الأجيال، نستلهم منها الفكر ونخرج منها بالعبر ونتخذها دستوراً في الحياة، فلقد خلدت حروف كلماتها وحفظت سطورها على مر الزمان وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وحق لها أن تخلد وتحفظ, فقد خرجت إلى الوجود على لسان خير الخلق إيماناً، وأطهرهم قلباً، وأصدقهم قولاً. وقد تحدثت عن مبدأ المساواة ومعياره ، وتعظيم الحرمات، ومبدأ الأمانة وشموليتها ،وصور أداء الأمانة،وإبطال وإلغاء الأعراف والتقاليد المخالفة للشرع وتحريم الربا والتساوي بين الناس أمام حكم الشرع والقانون وتأكيد حق المرأة في الحياة الكريمة، واستقلال شخصيتها
لقد كانت الدولة الإسلامية من أوائل دول في التاريخ أقامت دستوراً، يوضح حقوق رئيس الدولة وواجباته نحو رعيته، ويوضح حقوق الرعية وواجباتها نحو رئيسها، وكان هذا الدستور هو القرآن الكريم المنزل من الله، وفي هذا الدستور شرح لكل الأحكام التي تتطلبها الدولة في مجالات الاقتصاد والأسرة والحرب والسلم والاجتماع والتربية والقضاء إلخ ويقول المستشرق الروماني جيورجيو: حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بندا، كلها من رأي رسول الله. خمسة” وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان. وقد دُون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء. وضع هذا الدستور في السنة الأولى للهجرة، أى عام 623م. ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده”.
المصدر التطور التاريخي والقانوني للظاهرة الدستورية لابراهيم قلواز الحوار المتمدن-العدد: 5252 – 2016 / 8 / 12 خطبة حجة الوداع.. دستور حياة موقع تورس الشيخ، ممدوح؛ مدخل إلى ثقافة قبول الآخر: رؤية إسلامية (الطبعة الثالثة 2018). المركز الدولي للدراسات والاستشارات والتوثيق
من الأمثلة الهامة على علاقة الرياضيات بالثقافة السائدة هو ظروف ولادة علم الجبر في مطلع القرن التاسع الميلادي, التي تشير إلى أن الرياضيات ” منتج ثقافي “, وليست محايدة ثقافياً. وهذا ما سنتطرق إليه في هذه الفقرة.
من المعروف أن ” علم المواريث “, أو ” علم الفرائض “, أو ” فقه المواريث ” جزء لا يتجزأ من الفقه الإسلامي. وقد بدئ بتأسيس ” علم الفرائض ” في بداية تأسيس المدارس الفقهية، حيث كان هناك اجتهادات سابقة لذلك لبعض الصحابة, من أبرزهم زيد بن ثابت الأنصاري ( 615-665م ), الذي صاغ أصول التوريث، ونقلت عنه من بعده. إضافة إلى اجتهادات متفرقة من بعض فقهاء الصحابة.
ولا يوجد أي دراسات متوفرة حالياً تشير إلى الطريقة الرياضية التي كان يوزع بها الفقهاء هذه التركات. بمعنى أنه ليس من الواضح كيف كان يجري ” حساب التركات ” ( عدد الأسهم الكلي للتركة الذي يتطلب حسابه بعض المعارف الرياضية ) قبل أن يظهر علم الجبر بفضل الخوارزمي في مطلع القرن التاسع للميلاد. وربما كان يجري ذلك, ببساطة, على طريقة الحساب الذهني باستخدام بعض المبادئ الرياضية البسيطة, غير المبلورة. ولكن مع بداية القرن التاسع الميلادي تغير الوضع تماماً عندما قام محمد بن موسى الخوارزمي ( الذي عاش في الفترة الواقعة ما بين العقود الأخيرة من القرن الثامن ومنتصف القرن التاسع للميلاد ) بتأليف كتابه الشهير ” الجبر والمقابلة “, الذي نشره أول مرة حوالي سنة 820 ميلادي. وبدأ بعضهم يطلق على هذه المحطة من تطور الرياضيات
يتألف كتاب ” الجبر والمقابلة ” للخوارزمي من كتابين ( قسمين ), متساويين تقريباً في الحجم. حيث يدرس الكتاب الأول منه نظرية المعادلات, والحسابات الجبرية, وحل المسائل المختلفة باستخدام نظرية المعادلات. والكتاب الثاني المُعَنون ” كتاب الوصايا ” يعالج مسائل الإرث والوصايا, وفق ما نص عليه الفقه الإسلامي, من خلال تطبيق الحساب الجبري على هذه المسائل الفقهية. ووفق ما يشير إليه الدكتور رشدي راشد في كتابه ” رياضيات الخوارزمي..تأسيس علم الجبر ” فإن هذا العمل العلمي الذي قام به الخوارزمي: ” كان عملاً تأسيسياً لمادة علمية استمرت تتطور من بعده, عُرِفت تحت عنوان ” حساب الفرائض “؛ فقد حوّل الخوارزمي في الكتاب الثاني هذا, وبفضل الجبر, ما لم يكن سوى حسابات فقهية, إلى مادة في الرياضيات التطبيقية تحمل اسماً ما زالت تحتفظ به حتى عصرنا “ ويقصد رشدي راشد بهذه المادة ما أصبح يسمى ” الجبر”. أي أن هذا العلم الجديد في الرياضيات ولد استجابة للتحديات العلمية التي كان يقدمها ” علم المواريث “؛ فضلاً عن أسباب علمية أخرى ساعدت على ذلك ليس هذا المجال لشرحها.
وقد استمر تأثير كتاب الخوارزمي ” الجبر والمقابلة ” في تطور الجبر والرياضيات حتى القرن السادس عشر الميلادي؛ لأن الرياضيات بدأت بعدها تدخل مراحل جديدة. في حين أن ما قام به الخوارزمي في حساب المواريث لم يزل حاضراً إلى يومنا هذا في ” علم الفرائض ” الذي بلوره علم الجبر. لذلك فإن دراسة “علم الفرائض ” حالياً تتطلب جهداً كبيراً, من الدارس المعاصر, بسبب أن مفاهيمه, ولغته, وطرائقه الرياضية, لم تزل من وحي الخوارزمي ذاته, وكأن الزمن توقف عند تخوم كتاب ” الجبر والمقابلة “. وجزء كبير من هذه اللغة لم يعد يصادفه الدارس سوى في هذا العلم حصراً, وهذا هو سبب صعوبته على الناس العاديين, وبقائه حكراً على الفرضيين ( العاملين بعلم الفرائض ).
وفي الختام نشير إلى أن دراسة تاريخ الرياضيات قد تكون منجماً للعديد من الأفكار المهمة التي تساعد على فهم تاريخ الشعوب التي أنتجت هذه المعارف الرياضية, وعقليتها, وليس مجرد دراسة تاريخ الرياضيات ( كحقل معرفي ) بمعزل عن المؤثرات الخارجية الأخرى.
المصدر رياضيات أي عصر مؤشر على ثقافته”.. أمثلة من تاريخ الرياضيات د. محمود باكير
إسقاط مركاتور هو إحدى طرق الإسقاط الإسطواني المستعملة في رسم الخرائط الأكثر شيوعا في العالم، والمعتمدة في المدارس وفي الكتب، والتي أنشئت عام 1596م لمساعدة البحارة في استكشاف العالم. يتهم إسقاط مركاتور بالتشويه (التصغير) المتعمّد للمناطق التي تقع جنوب خط الاستواء، حيث يمكننا ملاحظة ذلك بالمقارنة بين إفريقيا وغرينلاند، فنرى في الخريطة أن غرينلاند أكبر من إفريقيا لكن في الحقيقة إفريقيا أكبر بـ 14 مرة من غرينلاند وبالتحديد فهي أصغر بقليل من الجزائر، وكذلك أوروبا تبدو ضخمة للغاية على الخريطة، لكنها في الواقع أكبر من أستراليا بحوالي 35٪ فقط وأكبر بقليل فقط من مساحة الولايات المتحدة الأمريكية (10.18 مليون كيلومتر مربع لأوروبا، مقابل 9.83 مليون كيلومتر مربع للولايات المتحدة) الأمر قابل للتطبيق على مختلف الأمثلة الأخرى، فعلى الخارطة تبدو أوروبا قريبة نسبيًّا من مساحة إفريقيا، لكنها لا تتجاوز مساحة 33٪ فقط من أراضي قارة إفريقيا، وكذلك هو الحال بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة أو ولاية ألاسكا الأمريكية مقارنة بالمكسيك. كما أن البرازيل أكبر بخمس مرات من ألاسكا في الواقع، في حين أن الأخيرة أكبر من البرازيل على الخارطة.
وتشير الخارطة إلى أن الدول الإسكندنافية مجتمعة أكبر من الهند، في حين أن الهند هي في الواقع ثلاثة أضعاف حجم الدول الإسكندنافية مجتمعة.
ببساطة، الأحجام الموجودة على الخرائط مضللة بشكل كبير وتوحي بمساحات هائلة للشمال مقابل كون مساحة المناطق الاستوائية والمدارية أقل من حجمها الواقعي.
و من هنا تأتي ادعاءات تقول بأن إسقاط مركاتور تعّمد التفريق العنصري بين دول ذوي البشرة البيضاء في الشمال و دول ذوي البشرة السمراء في الوسط و الجنوب. ففي الإسقاطات الأخرى لا يكون هناك نفس القدر من التشويه في المساحة الذي أظهره أسقاط مركاتور. وهناك من يعتقد أن مركاتور بذل جهدا كبيرا في تمثيل شكل الدول، ولكن على حساب الحجم، وبالتأكيد أيضا لصالح الدول الغنية، أي دول الشمال. هناك اسقاطات اخرى اكثر دقة من اسقاط ميركاتر مثل اسقاط غال-بيترز،و هو إسقاط خرائطي مستطيلي يحول جميع المساحات بحيث يكون لها الأحجام الصحيحة بالنسبة لبعضها البعض. مثل أي إسقاط متساوية المساحات للاسف حقق إسقاط غال-بيترز سمعة سيئة في أواخر القرن العشرين كمحور للجدل حول الآثار السياسية لتصميم الخرائط. و تمت محاربة وتغييب هذه الاسقاطات جميعها، ووضع اسقاط ميركاتر وحيداً على خرائط غووغل.
المصادر إسقاط غال-بيترز – ويكيبيديا إسقاط مركاتور – ويكيبيديا
قد يشعر الفرد في هذا العصر، حيث بدأنا ندخل إلى القرن الواحد والعشرين، بأنه أصبح متحضراً، وآزرته التقنيات المتقدمة التي حاز عليها في التحرر من جميع مظاهر الاستعباد التي عانت منها البشرية في العصور السابقة. لقد زادت نسبة التعليم بشكل كبير، وأصبحنا مجتمعات مثقفة تعلم بكل ما يدور من حولها، إن كانت أمور سياسية، علمية، صحية… وغيرها. لكن هذا في الحقيقة ليس سوى خداع بصري. ونحن لا زلنا نرزح تحت أبشع أنواع السيطرة والتحكم والاستبداد، رغم أن الأمر لا يبدو كذلك. جميعنا نزلاء في سجن غير مرئي يُسمى بـ”السوق الاستهلاكية العالمية” التي صممتها الشركات المتعددة الجنسيات طوال فترة القرن الماضي، وعملت على بسط شباكها عبر العالم رويداً رويدا،ً تحت عنوان نشر الحضارة والتقدم، مع أنه كان لها أثراً بالغاً في الانحطاط الروحي والأخلاقي لشعوب العالم أجمع.
إذا تخلّينا عن سطحيتنا المعهودة، وتعمّقنا قليلاً في تفكيرنا، سوف نكتشف بوضوح أننا لسنا أحراراً أكثر من العبيد الذين كانوا يُباعون ويُشترون في القرون السابقة. ومن أجل من لا يعلم بهذا الأمر، سوف أوضّح هذه الفكرة أكثر. هناك نوعان من السجن، السجن المرئي والملموس الذي قد يعاني منه الفرد بشكل مباشر ويدرك انه موجود. وهناكالسجن غير المرئي وغير الملموس وله تأثير أكبر وأخطر على الفرد لأنه لا يراه أو يشعر به أبداً رغم تأثيراته السلبية الكبيرة التي يعاني منها يومياً.
فالمسيطرون على مجريات الأمور لا يستطيعون الإبقاء على السيطرة إذا لم يتحكموا بعالم المعرفة الإنسانية من خلال قولبة العالم الأكاديمي حسب الرغبة، وكذلك وسائل الإعلام، وتحديد ما هوالرسمي وغير الرسمي من خلال التشريعات والمراسيم القانونية المحلية والدولية. حيث يتم إنشاء منهج عام يلتزم به الجميع (هذا المنهج الذي تم رسمه ووضعه وترسيخه تدريجياً وببطئ خلال فترة طويلة ومؤامرات كثيرة واغتيالات وتحريف للحقائق وغيرها من إجراءات) يترسّخ ويصبح واقعاً مفروضاً، وحينها سيتابع هذا المنهج أو هذا النظام خطاه من تلقاء نفسه، ذلك من خلال ظهور المسلّماتثابتة يستحيل على الرعايا التخلي عنها وإلا أصبح الشخص غير سوياً.
المسألة ليست بالبساطة التي نعرفها. هذه المجموعة المتربعة على قمة الهرم العالمي، هدفها هو ليس فقط سياسي أو اقتصادي أو غيره من حجج أخرى يتم تسويقها بين المثقفين الرسميين ومن قبلهم. بل هدفهم الأساسي هو قتل الإنسان في داخلنا… قتل كل ما هو مقدّس… إنهم يقضون عل كل ما هو أصيل في جوهرنا… فقط من اجل خلق الظروف المناسبة التي تمكن الأقلية من السيطرة على الأكثرية. ويبدو أنهم نجحوا في فعل ذلك دون علم أو إدراك منا. والسبب الرئيسي في استمرارية نجاحهم هو عدم معرفتنا بالضبط ما هي أهدافهم الحقيقية. فنحن مشغولون في قتال بعضنا البعض، وكره بعضنا البعض، والتآمر على بعضنا البعض، و… إلى آخره. ولا أحد من بيننا لديه الوقت للنظر إلى الأعلى ويشاهد كل تلك الخيوط المتدلّية من مكان عالي جداً والمربوطة بجميع الأطراف المتصارعة، ويتساءل..من؟ كيف؟ ولماذا؟
في هذا السجن الكبير غير المرئي الذي نعيش فيه، هناك أربعة شباك غير مرئية نتخبّط بها وتمنعنا من التعبير عن حقيقة عظمتنا ككائنات جبارة متعددة الأبعاد. هذه الشباك غير المرئية تطوقنا بحيث لا نستطيع الحراك مع أننا لم نفطن بوجودها أبداً. هذه الشباك تم تصميمها وحياكتها بعناية من قبل المسيطرين، واعتقد بأنهم سيفعلون أي شيء من اجل الإبقاء على استمرارية السيطرة مهما كلّف الأمر. لأنه مجرّد ما نجحت الشعوب في الإفلات من هذه الشباك، هذا يعني نهاية السيطرة وانعدام القدرة على الضبط والتحكم.
المجالات التي يسيطرون عليها وتمنعنا من التعبير عن حقيقتنا
إننا ننشئ أطفالنا على حقيقة أن المال هو الطريق الوحيدللخلاص..
فنمضي باقي حياتنا نلاحق هذا الطريق… المؤدي إلى جحيم الأسروالاستبداد
بعد أن تعرّفنا على الوسائل التي يسيطرون علينا من خلالها، بهدف منعنا من التعبير عن حقيقة عظمتنا ككائنات جبارة متعددة الأبعاد، وقتل الإنسان الحقيقي في داخلنا… وقتل كل ما هو مقدّس وأصيل في جوهرنا… فقط من اجل خلق الظروف المناسبة التي تمكن الأقلية من السيطرة على الأكثرية، نكون قد تعرّفنا على الطبيعة الحقيقية للعبة العالمية التي يشركونا فيها دون علم أو إدراك منّا. هذه اللعبة التي مكّنتهم، في هذا العصر الحديث، من السيطرة علينا ومنعتنا من التعبير عن حقيقتنا، تتمثّل بعدة مجالات أهمها: الروح (طريقة التفكير)، الصحة، الغذاء، الطاقة.. هذه اللعبة، بمجالاتها الأربعة
وجب أن نسلّم بحقيقة أن الأنظمة المدرسية والمؤسسات التعليمية غير ملتزمة ولا حتى مهتمة بتطوير قدراتنا ومواهبنا الحقيقية. فالمدارس هي مجرّد ذراع للنظام الاجتماعي القائم، مهما كان نوعها، دينية، حكومية، اقتصادية… فتبعاً للنموذج السائد الذي تتبعه الشعوب، نرى أن تعليم الإنسان وتعريفه على حقيقة ما هو عليه لا يتناسب إطلاقاً مع النظام الهرمي القائم بين مختلف البنى الاجتماعية، الاقتصادية، الدينية، الحكومية، الأكاديمية… جميع هذه السلطات نفضّل أن تسيّر مصالحها بطريقة سهلة وميسّرة، وهذا بالتالي يتطلّب جماهير مفرغة العقول، غير ميالة للتمرّد والمناداة بأفكار غريبة عن المنطق السائد الذي يخدم مصالحهم على أكمل وجه.
العالم الأكاديمي في العصر الحديث
قتل العبقرية والإبداع
منذ بدايات القرن الماضي، ونتيجة للنهضة الصناعية الهائلة، بدأت المصالح الاقتصادية تتدخّل في أنظمة المدارس والمناهج التعليمية. وقد تجسّد هذا التوجّه بوضوح مثلاً، عندما أنشأ هنري فورد (صانع سيارات فورد) مدارس خاصة للتأقلم مع نظام المصانع والمعامل التي سادت في هذا العصر. لاحظ فورد أن العباقرة والمبدعين والبديهيين لا يتناسبون مع نظام هذه المصانع الصارم كما نظام الجيش. لأنهم كما قال، غير نافعين في نظام المعامل العصرية.
فأسس مدرسة خاصة (سماها المدارس العصرية) تعمل على تنشئة أجيال تستطيع مواكبة هذا العصر الصناعي الحديث. ووجب على المتخرجين من هذه المدارس أن يكونوا دقيقين، مطيعين للأوامر، يتحملون ساعات وأيام و شهور سنوات من الأعمال والمهمات التكرارية المملّة، دون تذمّر، دون كلام أثناء العمل، دون راحة، يحافظون على جدول العمل مهما كانت التكاليف. .تصوّر يا سيّدي كيف سيكون عقلك في هذا العصر الصناعي الذي بدأنا نشعر بدخوله إلى حياتنا اليومية… ويتسرّب إلى طريقة تفكيرنا. فبهذه الطريقة، تصبح أرواحنا أيضاً ضحية وليس فقط عقولنا. فالنموذج الذي يحكم هذا العصر يقول: إذا كنا من النوع الذي يسمع لأحكامه الشخصية (و ليس لأحكام غيره)، ويلتزم بقيمه، ويتمتع بثقة كبيرة بنفسه، سوف لن نتناسب مع هذا النظام الصناعي العسكري الذي بدأ رجال المال فرضه على الطبقات العاملة.
أما الإنسان الذي يعتبر ناجح في هذا العصر، فوجب عليه أن يتصف بمواصفات مثل: عدم الثقة بالذات، عدم الاستقرار نفسياً وحتى عقلياً، مما يجعله يتحمّل بيئة العمل الفاسدة والمهينة. فإما أن تتكيّف لتصبح الرجل المناسب للحياة العصرية، أو تذهب إلى الجحيم. لحسن حظ تلك المؤسسات والأنظمة الاجتماعية المتسلّطة، فإن المدارس الحالية تعمل على إنتاج كميات هائلة من النوعية المناسبة لها.
النظام التعليمي هو المسؤول الرئيسي عن قولبة رؤية الناس وتفكيرهم، وبالتالي وجهة نظرهم تجاه الواقع الذي يحيطهم. إن العلوم التقليدية المعترف بها و التي يتم تدريسها في المدارس لها تأثير أساسي وكبير على الطريقة التي ندرك بها العالم من حولنا . لذا فإن السيطرة على التعليم وعلى طريقة تقديم وشرح هذه المواد هي مسألة شديدة الأهمية بالنسبة للنخبة المسيطرة. إن الطفل ببساطة موجود في المدرسة من أجل أن يتم حشوه بـ “الحقائق” المتفق عليها و المقبولة من قبل النظام القائم ، ولكي يركض مع أقرانه من درس إلى آخر و يقصف رأسه بمعلومات لا تثير أية حماسة عنده ولا تشبع أيا من اهتماماته، فما يتعلمه في الحقيقة هو الامتثال في الصف الذي يسوده الضجر. فكل ما يتعلمه هو كيف يتعامل مع الملل القاتل. وبحسب هذا النظام القائم ، يتم قياس ذكاء الطفل وفقا لمدى استجابته وخضوعه لعميلة غسل الدماغ المنظمة وبحسب قدرته على استفراغ تلك “الحقائق” في الامتحانات، وفي الوقت نفسه يتم قياس جودة أداء المدرس بحسب سرعته و كفاءته في غرس هذه الأمور في أذهان الأطفال. أما المنهاج الدراسي ، فهو مرسوم بدقة ، ويتناول كتب مدرسية ذات مواصفات محددة، ويتعين على المدرسين ، ومهما كانت مشاعرهم وآرائهم الشخصية حيال المواد المقدمة ، أن يقوموا بتدريس هذه الكتب كي يحافظوا على وظائفهم . أما الأسئلة الحقيقية حول طبيعة الحياة، أو البحث في أسباب وجود التناقضات في التاريخ السخيف الذي يتم تعليمه، أو الرغبة في التعبير عن مكنونات الشخص الحقيقية و أحلامه، كل هذه المسائل ليس لها دور في هذا النظام التعليمي. الناس هم مجرد قطع صغيرة تعمل ضمن الآلة الجماعية العملاقة ، والأشخاص الذين يستطيعون تحمل القيام بهذا الدور هم الأشخاص الذين يعتبرهم النظام التعليمي “ناجحون”. وإذا كان التماثل ثمنٌ “النجاح” فإن أولئك الأشخاص الذين يسعون إلى وجهات نظر بديلة ويرفضون ما يغرس في أذهانهم من أكاذيب يتم معاقبتهم عن طريق وصمهم بالعار وجعلهم يشعرون بالفشل والهوان.
فالمدارس هي مجرّد ذراع للنظام الاجتماعي القائم ، مهما كان نوعها ، دينية ، حكومية ، اقتصادية … فتبعاً للنموذج السائد الذي تتبعه الشعوب ، نرى أن تعليم الإنسان و تعريفه على الحقيقة لا يتناسب إطلاقاً مع النظام الهرمي القائم بين مختلف البنى الاجتماعية ، الاقتصادية ، الدينية ، الحكومية ، الأكاديمية … جميع هذه السلطات نفضّل أن تسيّر مصالحها بطريقة سهلة وميسّرة، وهذا بالتالي يتطلّب جماهير مفرغة العقول ، غير ميالة للتمرّد و المناداة بأفكار غريبة عن المنطق السائد الذي يخدم مصالحهم على أكمل وجه.
لحسن حظ تلك المؤسسات و الأنظمة الاجتماعية المتسلّطة ، فإن المدارس تعمل على إنتاج كميات هائلة من النوعية المناسبة لها . فهي تخرّج أشخاص مهووسين ، يتملّكهم الخوف من أن يكونوا مخطئين ، و الخوف من عدم الحصول على العلامات المناسبة ( أكّدت دراسات نفسية أن 90 بالمئة من المتخرّجين من المدارس يعانون من هذه الحالة النفسية ) . فهؤلاء المتخرّجون لا زالوا مقتنعون بأنهم عاجزين عن وصول القمّة في أعمالهم ، لأن جميع إنجازاتهم ارتبطت بالعلامات . تعمل المدارس على زرع فكرة معروفة في جميع النظم الاجتماعية الأخرى ، هذه الفكرة تقول : .. أنت لست جيداً بما يكفي ، أنت لست بالمستوى المطلوب . لكن إذا قمت بتنفيذ ما يطلب منك دون نقاش ، سوف تتحسّن حالتك و سوف يتم مكافئتك …
عندما يصبح المتعلّم كاهناً
أما المتخرجون من عملية غسيل الدماغ هذه ، فيصبحون أفراداً لا يجادلون أبداً لما نهلوه من معلومات . مؤمنين تماماً بالواقع المزوّر الذي بنوا عليه أفكارهم و مفاهيمهم المزروعة . بالإضافة إلى قابليتهم لاستيعاب الحقائق و المعلومات المناسبة فقط لما تعلموه . أما المعلومات المخالفة لها فيرفضونها تماماً ! مهما أظهرته من صدقيَّة !. هذا السيناريو محزن فعلاً .. و لا يريد أحد سماعه أو تقبّله كحقيقة .. لكنه الواقع بعينه !.. و جميع الدلائل تصب في هذا الاستنتاج !.
فالفرد كلما نهل أكثر من المناهج التعليميَّة الرسميَّة كلما قلّ انفتاحه على الأفكار الغريبة عن تلك المناهج . أي كلما ارتقى في مستواه التعليمي زاد تعصبه و انغلاقه !. اعتقد أن هذا طبيعي إذا نظرت إلى الأمر من الناحية النفسية . فالإنسان يفضّل دائماً أن يبقى محافظاً على مستواه الاجتماعي الذي حققه نتيجة ما توصل إليه من التعليم الأكاديمي . فعندما يواجه هذا الإنسان المتعلّم حقائق جديدة تشير إلى واقع مختلف عن الواقع الذي تعلّمه فسوف يحكم عليها مباشرة على أنها خزعبلات ! دون حتى التريث و التفكير بمدى صدقها !.
فظهور أي حقيقة أو مفهوم مخالف للمنهج العلمي العام يشكل تهديداً لهؤلاء المتعلمين حيث إنَّ ذلك يضعهم مع موقعهم الاجتماعي و الأكاديمي و المهني على المحكّ !. و بما أن الإنسان في طبيعته يتوق إلى الإحساس بالأمان ، فبالتالي لا بدّ من أن يعمل كل ما بوسعه لكي يحافظ على هذا الشعور بالأمان !. بالإضافة إلى أن هؤلاء قد استنزفوا أموالاً طائلة ( و الوقت و الجهد ) حتى حازوا على المؤهلات التي تجعلهم عناصر مهمة في المجتمع . و آخر ما يريدونه هو مواجهة نظرة علمية جديدة مخالفة لنظريته و من ثم الاعتراف بها . هذه النظرة الجديدة التي قد تؤثّر سلباً على موقعهم و حياتهم العملية .
أنا لا أحاول التقليل من قيمة الأنظمة التعليمية القائمة حيث يوجد الكثير من المواضيع المهمة و المفيدة التي يتم تعليمها في الجامعات و الكليات و المدارس التقنيَّة و الصناعيَّة . فمعظم ما يتم تعليمه هو مهم و له فائدة كبيرة . لكن المشكلة تكمن في أن كل ما يتم تعليمه يتمحور حول نظرة محددة للواقع . و هذا الواقع الذي يحاولون ترسيخه في العقول هو بكل بساطة غير حقيقي . بالإضافة إلى أن هناك أموراً و حقائق كثيرة لا تذكر و يتم تجاهلها تماماً .
كما ذكرت في السابق، جميع السلطات تفضّل أن تسيّر مصالحها بطريقة سهلة و ميسّرة ، و هذا بالتالي يتطلّب جماهير مفرَّغة العقول ، غير ميَّالة للتمرّد و المناداة بأفكار غريبة عن المنطق السائد الذي يخدم مصالحهم على أكمل وجه . أما الوسيلة الأكثر نجاحاً في ترسيخ فكر أو منطق معيّن و تثبيته ، فهو إنشاء طبقة من الكهنة ! جيش من المنظّرين لهذا الفكر! يحرسونه و يحافظون على ثباته و رسوخه ! يحاربون الخارجين عنه ! و يكافؤن الموالين له !… أما الحقيقة الأصيلة .. فهي غير مدرجة في جدول العمل !!. فالأكاديميون القائمون على المؤسسات التعليمية يمثِّلون دائماً بيروقراطية بحد ذاتها ! هم غير مبدعين ! إنهم يعملون وفق المعلومات التي درسوها فقط ! موالون تماماً للسلطات التي قامت بوضعهم في مناصبهم ! و لهذا السبب ، هم يكرهون حصول تغيير في المعلومات التي اعتادوا على التعامل معها . فيرفضون حتى النظر بالفكرة الجديدة أو مناقشتها !. و لا يأبهون بالحقيقة! ولهذا السبب نرى أن الكهنة الأكاديميونهم أوّل من يعارض الأقكار الجديدة مهما أظهرته من مصداقية.
عندما علم المسلمون أن تحصيل العلوم الكونية عبادة، وان تطبيقها في حياتهم واجب شرعي عمرو الكون بنواميس لله في الخلق واستخدموا الدواء في العلاج، ونبذوا الخرافات والأحجبة والتمائم وبنو المدارس والمستشفيات والمراصد وهذه رسالة (1) من مريض فرنسي عثر عليها أحد الباحثين والمؤرخين الفرنسيين عمرها حوالي عشرة قرون، كان قد بعثها أحد المرضى الفرنسيين من المستشفى الاسلامي الذي يعالج فيه في قرطبة إلى والده في باريس يصف فيها حالته الصحية .
:ووضع المستشفى الاسلامي وهذا نص الرسالة مترجمة عن أصلها
:والدي العزيز
لقد ذكرت في رسالتك بأنك سوف تبعث لي بعض النقود كي أستعين بها في علاجي، أقول بأني لا أحتاج إلى النقود مطلقاً، لأن المعالجة في هذا المستشفى الاسلامي مجانية
وهناك موضوع آخر، وهو أن إدارة المستشفى تدفع إلى كل مريض تماثل للشفاء مبلغ خمس دنانير، وبدله جديدة حين يغادر المستشفى كي لا يضطر إلى العمل في فترة والإستراحة.
:والدي العزيز
لو تفضلت وجئت لزيارتي فسوف تجدني في قسم الجراحة ومعالجة المفاصل وعند دخولك من الباب الرئيسي توجه نحو الصالون الجنوبي، حيث يواجهك قسم الاسعافات الأولية ومركز تشخيص الأمراض ثم قسم المفاصل، وسوف تشاهد جنب غرفتي مكتبة وصالون للمطالعة والمحاضرات حيث يجتمع الأطباء فيه يومياَ للاستماع إلى محاضرات الأساتذة
أما قسم الأمراض النسائية فيقع في الجانب الثاني من ساحة المستشفى ولا يُسمح للرجال أن يدخلوا إليه، وفي الجهة اليمنى من الساحة تجد صالوناَ كبيراً مخصصاً للمرضى الذين تماثلوا للشفاء حيث يقضون في فترة النقاهة والاستراحة بعض الأيام ويحتوي الصالون المذكور على مكتبة خاصة وبعض الآلآت الموسيقة
:والدي العزيز
إن أي نقطة وأي مكان من هذا المستشفى في غاية النظافة. فالفراش والوسادة التي تنام عليها مغلفة بقماش دمشقي أبيض، أما الأغطية فمصنوعة من المخمل الناعم اللطيف. وجميع غرف المتسشفى مزودة بالماء النقي الذي يصل إليها بواسطة أنابيب خاصة متصلة بمنبع ماء كبير، وفي كل غرفة مدفأة لأيام الشتاء، أم الطعام فهو من لحم الدجاج والخضرة، حتى أن بعض المرضى لا يحبون مغادرة المستشفى طمعاً بالطعام اللذيذ
هذا اخوة الاسلام صورة واقعية عن الحالة الصحية قبل ألف سنة بشهادة شاهد منهم
ويشير المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون أن أفضل وأرقى المستشفيات التي أنشأت على أرضها العربية هي تلك التي أقيمت في الأندلس، وأن المستشفيات التي أنشأها المسلمون في اشبيلية وطليطلة ومورسيا وغرناطة وقرطبة التي كانت تحتوي في القرن العاشر الميلادي مليون مواطن، 200 الف دار، 300 جامع و50 مستشفى، ومكتبة تحتوي .على 250 الف كتاب وهذا يدل على ازدهار الثقافة وشيوعها بين أهله
وهذه صورة واقعية للحالة الصحية في فرنسا قبل (250) سنة فقط
فقد ذكر الدكتور ” ماكس ثراد ” الذي كان طبيباً في إحدى مستشفيات فرنسا باريس سنة (1730م ) وهو يصف فيها وضع المستشفى الفرنسي الذي كان يعمل به قائلا
كانت ارضيتها مرصوفة بالطابوق، وقد فرشت بالحشائش اليابسة، حيث كان المرضى يرقودون عليها الواحد جنب الآخر بشكل معكوس، ولم يكن هناك نظام أو أصول
فالاطفال ينامون بين الشيوخ، والنساء بين الرجال، وكانوا يلتصقون ببعض من كثرة المرضى وضيق الردهات، وكان صوت صراخهم من ا لألم فقد كانون يشكون من الجوع، إذ لم يكن في المستشفى المذكور (الفرنسي) من الطعام ما يكفي لاطعامهم لذلك كان بعض الناس من أهل الخير يتبرعون بإطعام المرضى في سبيل الله .
وكان المستشفى (الفرنسي) المذكور قذراً مملوءً بالذباب والحشرات، تنبعث من أروقته روائح كريهة حتى أنه كان يتعذر على طبيب المستشفى أن يدخل إلى قاعة المرضى من شدة الروائح النتنة، لذلك كان يحمل معها اسفنجة مرطبة بالخل يضعها عند انفه بين الحين والآخر، وكانت جثث الموتى تظل في مكانها حوالي 24 ساعة فتتعفن بين بقية المرضى الأحياء (2) . هذا حال مستشفياتهم منذ 300 سنة وحال مستشفيات المسلمين منذ ألف سنة المستشفى الاسلامي يضارع أفخم مستشفى عالمي اليوم، والمستشفى الفرنسي مقبرة مؤقتة .
لقد اضطررت إلى سرد هذه القصة في إحدى المجالس في البحرين عندما تكرر القول أن التاريخ الاسلامي كان كله تخلف وقتل وهمجية وظلم فقلت أين المسشفيات ؟ وأين المدارس الاسلامية ؟.
وأين الأوقاف الاسلامية ؟
كان هناك وقف السكر لتوزيع السكر على اليتامى في الأعياد والأفراح
وكان هناك وقف للمرفهين عن المرضى وقد الف الدكتور أحمد عيسى بك رحمه الله كتاباً رائعاً عن تاريخ البيمارستانات في الإسلام بين فيه عظمة المستشفيات الاسلامية التي رعاها الحكام والمحكومين وهذه جامعات الأزهرة والزيتونة والقرويين والمسجد الأموي وغرناطة وإسبانيا شاهدة على قوة الحضارة الإسلامية
فما بالنا الآن نرى هذا التردي العلمي الإهمال في كل مكان .
لو وضعنا هذه الرسالة نصب أعيننا ونشرناها في كل مكان لنقول هكذا كنا وكانوا فكيف اصبحوا وكيف اصبحنا
الأمر مهم وخطير وعلى كل منا أن يفكر كيف تخرج من هذا المأزق التخلفي الخطير
المصادر
(1) التفوق العلمي في الإسلام أمير جعفر الأرشدي، بيروت مؤسسة الرسالة (1990) (ص 52)
(2) قرهنك اسلام أوربا فارس ترجمه إلى العربية مرتضى رهباني
تعتبر الفلسفة الشكوكية أحد أهم علوم الفلسفة، لأنها تشك في المعرفة الحقيقة، وتسأل إن كانت معلومة أو مؤكدة، لتدفع صاحبها في رحلة لإثبات المنفي. والشكوكية هي عدم ضمان صحة أي شيء إلا بتقديم دليل يثبت صحته، ويقدم إجابات شافية، وذلك لتجنب الإيمان بقشور الأمور وسطحيتها، من أجل مزيد من البحث حول بواطن الأمور وجوهرها.
وأول من يخطر بالبال عند ذكر الفلسفة الشكوكية هو الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، إلا أن هناك من اقتدى به ديكارت في منهاجيته، حيث سبقه في الوصول إلى منهج الفلسفة الشكوكية، فكان ذلك هو الفيلسوف المُلقب بـ “حجة الإسلام” في عصره، هو “أبو حامد الغزالي”.
من لم يشك فلم ينظر، ومن لم ينظر لم يُبصر، و من لم يُبصر، يبقى في متاهات العمى. كان للغزالي بصمة واضحة في علم الكلام والمنطق، حيث عُرف بأنه أحد مؤسسي “المدرسة الشعرية” في علم الكلام، إلا أنه كانت له بصمته أيضًا في علم الفلسفة، فكان شافعي الفقه، صوفي الطريقة، ووطأ مبدأ الشكوكية حينما حل بالعراق، وحاول أن يصل إلى الحقيقة التي اختلفت حولها الفرق الأربعة التي هيمنت على الفلسفة الإسلامية في ذلك الوقت من القرن الخامس الهجري.
كانت الفرق الأربعة تتمحور حول؛
“الفلاسفة” الذين يدّعون أنهم أهل النظر والمنطق والبرهان-
“المتكلمون” الذين يرون أنهم أهل الرأي والنظر-
“الباطنية” الذين يزعمون أنهم أصحاب التعليم-
“الصوفية” الذين يقولون بأنهم خواص الحضرة الإلهية، وأهل المشاهدة والمكاشفة-
سعى الغزالي ليتقصى الحقيقة بين تلك التيارات الأربعة؛ فحللها ودرسها بعمق شديد، حتى تعرّف عليها عن قرب، واستطاع أن يستوعب كل آرائها، وقد سجل ذلك بشكل مفصل في كتابه (المنقذ من الضلال)، بيد أنه خرج من تلك التجربة بجرعة كبيرة من الشك جعلته يشك في كل شيء حتى مهنة التدريس التي أعطاها حياته كلها.
يقول أبو حامد الغزالي في هذا؛
إن العلم اليقيني هو الذي يُكشف فيه المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم
ليقترن الغزالي بمقولة “علمني الشك اليقين“، لتشكل مكانة الغزالي في تاريخ الفلسفة مادة دسمة لاختلاف الفقهاء والفلاسفة والمتصوفة بين من يعلي من شأنها ومن يعارضها، ومع ذلك، فإن هذا الاختلاف حول منزلة الغزالي في تاريخ الفلسفة ينتصب دليلا على الحضور المعرفي القوي للغزالي، على الرغم من اتهامه بالكفر والإلحاد بسبب فلسفته الشكوكية، واتخاذها وسيلة للإيمان.
كتابات الغزالي، وخصوصا (المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال) أثرت على ديكارت وكانت إحدى مصادره في إبداع منهجه الفلسفي. :وتشير مجموعة من المعطيات هذه الفرضية
كتب الكاتب الألماني كريستوف فون فولستوجن مقالا تحت عنوان “هل كان الغزالي ديكارتيا قبل ديكارت؟” قال فيه أن الشك المنهجي الديكارتي يعود في أصله للفلسفة الإسلامية، وأن التطابقات بين المنهجين كما يشهد عليها كتاب “المنقذ من الضلال” للغزالي وكتاب “التأملات الميتافيزيقية” لديكارت تبين وجود علاقات قوية بينهما.
-قال المؤرخ التونسي عثمان الكعاك أن ديكارت اطلع على أفكار الغزالي عن طريق ترجمة لاتينية لكتاب “المنقذ
من الضلال”
وأثبت عبد الصمد الشاذلي الذي يعمل بجامعة جوتنجن بألمانيا في مقدمته للترجمة الألمانية لكتاب “المنقذ من الضلال” أن ديكارت كانت تربطه علاقة صداقة ببعض المستشرقين الذين كانت بحوزتهم نسخة عربية لكتاب “المنقذ من الضلال” مثل المستشرق جاكوب جوليوس (1596-1667) وليفينيوس فارنر ، الذيْن كان بحوزتهما مخطوط لكتاب “المنقذ من الضلال”.
ويضم قسم المخطوطات العربية بالمكتبة الوطنية بباريس مخطوطا لكتاب “المنقذ من الضلال” (تحت رقم: 1331 (Fol. 25-24) كان معروفا في العصر الذي عاش فيه ديكارت. تشبه اعتراضات القديس توما الإكويني على بعض القضايا اعتراضات الغزالي على علماء الكلام، وهذا يعني أنه تأثر بالغزالي.
المصادر “الفلسفة الشكوكية” كيف كان الشك أول مراتب اليقين؟ موقع نون بوست علاقة منهج الغزالي بمنهج ديكارت هل هي علاقة توافق أم علاقة سبق وتأثر؟ موقع حوار المتمدن
تميز هذا العصر الذي نعيشه بوجود العديد من الفلاسفة العرب المعاصرين، أصحاب المشروعات الفلسفية ذات البناء الفلسفي الواضح والذي تدور حوله مجموعة من المؤلفات.أشهرهم الفيلسوف محمد عابد الجابري الذي يمتلك العديد والعديد من المؤلفات الفلسفية التي ساهمت بشكل كبير في تكوين مناهج فلسفية في عالمنا العربي، ولقد ترجمت له العديد والعديد من الكتب للغات مختلفة مثل الفرنسية والإنجليزية وغيرها،ومن أشهر مؤلفات الجابري: (نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي، تكوين العقل العربي (نقد العقل العربي 1)، بنية العقل العربي (نقد العقل العربي 2)، العقل السياسي العربي (نقد العقل العربي 3)، العقل الأخلاقي العربي (نقد العقل العربي 4)، مدخل إلى القرآن في ثلاثة مجلدات، مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي، فهم القرآن الحكيم “التفسير الواضح حسب ترتيب النزول، أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب، من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية، المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، وحدة المغرب العربي، التراث والحداثة: دراسات ومناقشات. توفي الجابري عام 1431 هـ 2010م، بعد أن صدر له 30 مؤلفا في الفكر المعاصر، كان “نقد العقل العربي” من أبرزها، كما نال العديد من التكريمات خلال مسيرته، منها تكريم اليونسكو له لكونه أحد أكبر المتخصصين في بناء الفكر العربي المعاصر وقامت بمنح ميدالية ابن سينا.