قبل 170 عاما ، إخترع إنجليزي توماس ماكولي ,إستراتيجية استعمارية للسيطرة على الشعوب المستعمرة بأقل الأضرار , سميت تلك الاستراتيجية Education Minute …
في خطاب له للبرلمان الإنكليزي يوم 2 فبراير 1835م، قال اللورد توماس ماكولي مهندس سياسة التعليم الإنكليزية للشعوب المستعمرة:
لقد سافرت في الهند طولاً وعرضاً – زمن حكم امبراطورية مغول الهند الإسلامية لها – ولم أرَ شخصاً واحداً يتسول أو يسرق، لقد وجدت هذا البلد ثرياً إلى درجة كبيرة، ويتمتع أهله بقيم أخلاقية عالية، ودرجة متطورة من الرقي، حتى أننا لن نهزم هذه الأمة إلا بكسر عمودها الفقري، وهو تراثها الروحي والثقافي.
لذا أقترح أن يأتي نظام تعليمي جديد ليحل محل النظام القديم، لأنه لو بدأ الهنود يعتقدون أن كل ما هو أجنبي وانكليزي جيد وأفضل مما هو محلي، فإنهم سيفقدون احترامهم لأنفسهم وثقافتهم المحلية، وسيصبحون ما نريدهم أن يكونوا عليه، أمة يُمكن الهيمنة عليها تماما.
يجب ان نجعلهم يعتقدون ان رفا واحدا في مكتبة أوروبية يعادل كل ما كتب من أدب و معرفة عند الهنود و العرب كلها , يجب أن نركز كل جهدنا لخلق طبقة من الأشخاص تكون الوسيط بيننا و بين الملايين من الهنود , أشخاص هنود في دمهم و لكنهم إنجليز في اذواقهم , أرائهم السياسية , أخلاقهم و عقليتهم “
عبارة خطيرة جدا تلخص السياسة التي إتبعها الانجليز و الفرنسيين و الاوروبيون ( و الأمريكان لاحقا ) للسيطرة على الشعوب بطريقة بسيطة : إقناعهم أن ما يملكون لا قيمة له و أن الرجل الابيض المسيحي لديه دائما ما هو أفضل بكثير ! ودائما هو انسان خارق وانه السيد المهيمن …
السياسة هذه لم تتخلخل منذ أن صاغها ماكولي قبل 170 سنة , فهي السياسة التي إتبعها “محمد علي” في مصر , و “كمال أتاتورك” في تركيا و كل وزارات التربية و التعليم لاحقا …
هذه الاستراتيجية و السياسة أصبحت المتبعة في كل دول العالم بعد إعلان “إستقلالها” ..
المثير للإهتمام أن هناك وصفا شعبيا شائعا للأفراد من المجتمع الهندي الذين يديرون ظهرهم لثقافتهم و لغتهم , فهذه الفئة يطلق عليها ( أبناء ماكولي ) , و نعلم على الاقل أن “أبناء ماكولي” هؤلاء , لهم نصيب في مجتمعنا كذلك .
التعصب من القيم السلبية في المجتمعات التي تؤدي لهدم المجتمعات السليمة إذا انتشر فبه،وقبل تحدث على التعصب يحب تفريقه عن التميز العنصري فالتعصب شعور داخلي يجعل الانسان يرى نفسه على حق و الاخر على باطل و يظهر هذا الشعور في صورة ممارسات و مواقف تجاه الاخر تؤدي الى عدم الاعتراف بحقوقه اما التميز فهو التفرقة ببن الافراد او الاضرار بهم او تجاهلهن او استبعادهم بسبب لونهم او جنسهم او دينهم او عرقهن او رايهم . و يؤدي ذلك الى عدم حصولهم على حقوقهم و يرتبط التميز بالتعصب، فعندما يشعر اللنسان على حق ،و بان الاخر على باطل ،فإنه يحرمه من حقوقه
و قد دعى الاسلام الى إحترام كرامة الانسان و نبذ التميز العنصري فقد خلق الله الناس جميعا من أصل واحد و حث الإسلام على المساوات و نبد التميز و جعل التقوى و العمل الصالح هو أساس التفاضل بين الناس حيث قال رسولُ اللهِ “صـلى اللهُ عليهِ و سلـم ” : ( لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى ) فلا مجال في الإسلام للمناصب ولا مجال في الإسلام للعصبيات الجاهلية العفنة المنتنة ولا مجال في الإسلام لعصبية العرق والنسب ولا لعصبية الأرض والموطن ولا لعصبية الوطن ولا اللهجه ولا لعصبية الجنس ونوعه ولا لعصبية اللون من ابيض او اسود او احمر ولا لعصبية اللغة ولا اللسان وهذا الأساس كان القرآن قد وضعه قاعدة لبناء المجتمع الإسلامي من قبل مئات السنين قبل أن تتغنى الدول التي تتدعي الديمقراطية بهذا المبدأ
أهم أنواع التعصب التعصب على أساس عرقي او قبلي عند العرب
صحيح أن المرء ما كان يجد الأمن والاستقرار إلا في رحاب القبيلة، فهي البنية الاجتماعية المعتبرة، في صحراء ينعدم فيها النظام والعدل، والسلطة التي تحفظ الأمن.إلا أن هذا لا يعتبر مبرراً كافياً،ليلغي الفرد عقله ويسير حسب هوى القبيلة، وجبروتها
لقد استفاد الاسلام من رابطة القبيلة في نشر الدعوة، واستخدمها مظلة واقية ضد ميزان المجتمع المتعصب… (إن الإفادة من الرابطة القبلية وصلة القربى لمصلحة الإسلام شئ، والخضوع لهذه الرابطة المنحرفة الظالمة شئ آخر). ومثّل الإسلام نقلة جديدة في حياة العرب السياسية. فمن خلال الدعوة المحمدية تأسس أول مجتمع قائم على أسس غير قبلية، وهو مجتمع المدينة المنورة، ثم توسع ليضم مجمل جزيرة العرب في اتحاد قبلي قائم على دفع القبائل الزكاة أو الجزية، مع الاعتراف بسلطة المدينة. و بدأ بغرس ربطة الدين، ووشيجة العقيدة، وهى أساس كل تغيير. “إن الوشيجة التي يتجمع عليها الناس في هذا الدين، ليست وشيجة الدم والنسب، وليست وشيجة الأرض والوطن، وليست وشيجة القوم والعشيرة، وليست وشيجة اللون واللغة ولا الجنس والعنصر، ولا الحرفة والطبقة إنها وشيجة العقيدة”. قال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) ومع الاسف فالعصبية راسخة الجذور عادت من جديد ، عندما كان وازع العقيدة ضعيفاً… وبذور الإيمان لم تزدهر بعد… والتربية القرآنية لم تلامس بعض القلوب… وذلك في مظاهر متعددة برزت في:
حروب الردة وهي محاولات للعودةٌ حقيقيَّةٌ إلى النظام القبلي الذي كان سائدًا في الجاهليَّة
صراعات القيسية واليمنية خلال الفتوحات ذكر الباحث في التاريخ الإسلامي حسن حافظ لرصيف22 أن العرب قُسمت وفق ثنائية عرب الشمال “العدنانية” أو القيسية، وتضم قبائل مضر وربيعة، وعرب الجنوب “القحطانية” أو اليمنية وأشهر قبائلها بني كلب وبني لخم. وعلى أساس هذا التقسيم قامت التحالفات، ودارت الصراعات في فترات عديدة من التاريخ الإسلامي ،وفي الاندلس ستنفذ كثير من طاقات المسلمين، إستغله الصليبيين في توسعاتهم، وكان ذلك من أوائل عوامل ضعف المسلمين
الصراع بين العرب والموالي تعرض الموالي لظلم وللعنصرية من طرف الاموين ،ولذلك كان الموالي ينتهزون الفرص للعمل على إضعاف الدولة الاموية، فانظموا الى كل خارج على هذه الدولة، وكان يقابل هذه العصبية العربية عصبية أخرى، من الموالي، وخاصة الفرس. لم تكن عند الفرس نزعة قبلية، ولم يكونوا يعنون بالأنساب عناية العرب بها، وإنما كانوا يتعصبون أحيانًا للبلدان؛ فقد كان أهل خراسان مثلًا من أشد الناس عصبية بعضهم لبعض. وكانت العصبية القوية عندهم العصبية للأمة. وذلك طبيعي؛ لأنهم قطعوا من عهد بعيد طور البداوة، وتحضروا، وكانوا أمة بكل معناها الصحيح، وبدأوا يفخرون على العرب في العهد الأموي
العصبية بين العرب والبربر وتكرّر في المغرب ماحدث في المشرق من السلوك المتعصب اتجاه غير العرب. بالرغم من أن دخول البربر في الإسلام كان عنصر قوة في بداية عهدهم بالإسلام، حيث كان لهم الفضل في فتح الأندلس مع المسلمين العرب، إلا أن النزاعات ما لبثت أن إشتعلت بين البربر والعرب، ولم تهدأ طول فترة حكم المسلمين للأندلس، مما كان له أكبر الأثر في إضعاف المسلمين
التعصب مبني على اللون عرفت الدولة العباسية ثورة الزنج مابين (255 – 270هـ / 869 – 883م) ،و تمركزت حول مدينة البصرة، جنوب العراق اليوم، وامتدت لأكثر من 14 عاما (869 – 883م) قبل أن تنجح الدولة العباسية في هزيمتها، ويعتقد أن الحركة بدأت بزنوج من شرق افريقيا استعبدوا وجيء بهم إلى تلك المنطقة، وامتدت لتضم العديد من المستعبدين والأحرار في مناطق عدة من الإمبراطورية الإسلامية. وهددت الدولة العباسية حتى جندت كل إمكاناتها لتسحقها، فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها. أما الدافع الرئيسي فهو ظروف القاسية والسيئة التي كان يعيشها العبيد من خلال عملهم في تجفيف المستنقعات وإزالة السباخ عن الأراضي، ثم نقل الملح إلى حيث يعرض ويباع، لقاء وجبة طعام، وخصوصا أن كثيرا من أصحاب الأراضي لم يتعاملوا وفق ضوابط الشرع الإسلامي الذي بيّن حقوق الرقيق في الإسلام من حسن المعاملة وعدم الضرب وحتى العتق، وعلى رأسها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ”.
التعصب القومي
التعصب القومي ينطبق على الذين يتعصبون لقوميتهم ويبذلون كل ما في وسعهم في سبيل نصرتها ولو كانت على باطل غير ابهين بما يترتب على عملهم التعصبي هذا من مخالفة الشرع الحكيم والشرعية الدولية والاعراف الاجتماعية وبعبارة اخرى ( التعصب القومي العنصري ) هو ان يفضل المرء امته على الامم الاخرى بشكل يعتقد انه يجب ان تبقى الامم الاخرى تابعة لامته وتحت سيطرتها كما يعتقد ان لامته ان تحتل ارض تلك الامم و تسخرها وتستغلها حسب مصالحها ويعد امته شعب الله المختار !! هذا النوع من التعصب هو أحد أهم أسباب سقوط الدولة العثمانية لقد إستوعبت الإمبراطورية العثمانية عبر تاريخها قوميات كثيرة وطوائف دينية عديدة، وكانت هذه الطوائف والعرقيات تعيش في وئام وتعاون،ويعترف مؤرخون أوربيون بأن الأقليات الخاضعة للدولة العثمانية كانت تتمتع بحقوق أكثر من تلك الأقليات التي كانت تعيش في الممالك الأوروبية كفرنسا وإمبراطورية الهابسبرغ في النمسا.واستمرت الأحوال على هذا المنوال حتى أواخر القرن التاسع عشر، بل وحتى أواخر العقد الأول من القرن العشرين، إلا أن ظهور الفكر القومي العلماني عند النخب الفكرية والسياسية والمالية و العسكرية داخل الدولة العثمانية، ونجاح جمعيته المتمثلة في الاتحاد والترقي في تغيير الدستور وتغيير نظام الدولة الى ان وصلت سيطرته في عام 1909 إلى خلع السلطان عبد الحميد الثاني، واضطهاد للاقليات كالعرب في بلاد الشام و الارمن، وحملات التتريك الإجباري للجنسيات غير التركية كالشركس والأكراد ، أدت الى تأجيج العداء و تفتيت الدولة العثمانية
القومية العربية في مقابل سياسة جمعية الاتحاد والترقي القمعية للعرب ظهرت القومية العربية التي تؤمن ان الشعب العربي شعب واحد تجمعه اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا هذه الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين، وتفصل المسلم العجمي عن أخيه العربي، وتفرق بين العرب أنفسهم؛لأنهم كلهم ليسوا يرتضونها، وإنما يرضاها منهم قوم دون قوم، وكل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابا فكرة باطلة، تخالف مقاصد الإسلام وما يرمي إليه؛ وذلك لأنه يدعو إلى الاجتماع والوئام، والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى
التعصب الديني او المذهبي للتعصب الديني احد أسباب تخلف المسلمين عجزهم التصدي للتعصب المسيحيين لدينهم ،و الذي اقترن بالدموية والوحشية المفرطة، حتى صار سمة مميزة لهم ،مما ادى الى ابادة و طرد المسلمين من الاندلس التي كانت نموذجا للتعايش السلمي والتسامح الثقافي بين أبناء الرسالات السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية هذا نوع من التعصب موجود في كل الديانات الا ان تبني الدولة له يعد أخطر بكثيرمن الجماعات الدينية المتطرفة.
التعصب المذهبي. ترك آثاراً وخيمة على كل مكونات الأمة الإسلامية؛ بحيث أصاب شرره وضرره كل شرائح المجتمع المسلم وطبقاته وفئاته. لقد كان الاختلاف موجودًا على عهد السَّلف الصحابة – رضي الله عنهم – ومَن بعدهم ومع ذلك لم يكن مَدْعاة للتعصُّب ولا للتباغض، وكان غرَضُهم في اجتهادهم إصابة الحقِّ واختيار الأفضل، ولذا كان بعضُهم يعذر الآخَر فيما اختلف فيه، ولا ينتقص له رأيًا.
وفي القرن الرَّابع الهجري وما بعده بدأ التَّقليد والتعصُّب يكثران بين العلماء، واشتدَّ الجدَل والخلاف في علم الفقه وغيره من العلوم الأخرى، وبدأت حركة الاجتهاد والاستنباط تَضْعف، إلى أن وصلَتْ في عصور متأخِّرة إلى الجمود والتوقُّف ومن جنايات التعصب المذهبي على المجتمعات:
الانعزال في أحياء سكنية خاصة المنع من الجماعات حرق المؤلفات العلمية فقدحدثت في تاريخنا الإسلامي عدة وقائع أُحرقت فيها كتب المخالفين تعصبا عليهم وانتصارا للمذهب انقسام المساجد ، ففي ما بين سنة 442 و497هـ بني في المسجد الحرام لكل مذهب مقام ، يصلي أهل كل مذهب في مقامهم ،وقد بقيت هذه البدعة زمنا طويلا حتى قامت الدولة السعودية الأولى
التعصب الإيديولوجي السياسي التعصب الإيديولوجي السياسي هو نوعاً من التعصب لتصور معين للعالم والحياة والعلاقات الاجتماعية وللفرد وللقيم. والشخص المؤدلج لا يؤمن إلا بآيديولوجيته وما عداها لا معنى له، لذلك اتفق على اعتبار الآيديولوجيا مولدة للعنف والتشدد. وهو ما يفسر لنّا التناحر الفكري والسياسي بين أصحاب الآيديولوجيات المختلفة،كالإسلاميين والماركسيين والقوميين. والتي اصبح فيها الاقصاء حل، بدل من النّقاش والحوار ومقارعة الحجة بالحجة وكشف الأوراق، وجعل كل طرف يدافع عن رؤيته للتغيير الاجتماعي والتقدم والتنمية. فكل دعوات الكراهية والحقد والانتقام تسهم في تمزيق النسيج الاجتماعي ، وتتنافى مع النموذج الإنساني الذي قدمه الدين الاسلامي، والذي يقوم على مبادئ الكرامة والعدالة والحرية والشورى والإخاء، داعية الى الابتعاد عن إثارة الفتن والنعرات والعصبيات الجاهلية على حد وصفها بين أفراد المجتمع ، وقد عانت الامة الاسلامية ومازالت تعاني من هاذا النوع من التعصب.
التعصب الترفيهي
– إظهار مستويات عالية من الشدة والحماس والالتزام والحماس تظهر لنشاط ترفيهي معين كتعصب لفريق كرة القدم
و المجتمع الاسلامي شأنه كسائر المجتمعات القديمة أو الحديثة مر بكل هده الأنواع من التعصبات أدت إلى تخلفه تدريجيا
يقول ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع : (إنما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها).أي أن الأمة المَغْزُوَّةَ غزوًا ثقافيًّا فكريًّا لا مَحَالَةَ تنهزم انهزامًا نفسيًّا وتندفع إلى تقليد الأمة الغازية القاهرة، التي تكون قد فرضت عليها تقليدَها وعاداتِها هذا الشعوربالهزيمة النفسية أمام الغرب المستبذ ، أدت إلى فقدان كثير من المسلمين ثقتهم بنفسهم،وأصبح الإحباط يسيطر على النفسية و بات ينظر إلى تفوق الغرب على أنه أمر واقع لا يمكن دفعه ولا طاقة لنا بدفعه وليس أمامنا إلى الاستسلام له والتعايش معه وصار ينظر إلى مقاومته على أنه نوع من الانتحار والعبث الذي لن يجدي شيئا وكانت هذه الهزيمة النفسية تبرر باسم الواقعية
وقد بلغ الغزو الثقافي الغربي ذروته في القرن العشرين، وإعتمد في غزوه للعالم العربي والإسلامي على كل من الفكرة، والرأي، والحيلة، والنظريات، والشبهات، وخلابة المنطق، وشدة الجدل، وغسل الأدمغة، وتخدير العقول، وزعزعة الإيمان بأصالة الثقافة الإسلامية، عن طريق فرض الثقافة والحضارة الغربية بتلميعها في نظر الشباب الذي فتح عينيه على مُعْطَيَات الحضارة الغربية التي بدت خلابة باهرةً للألباب، خاطفةً للأبصار.
وكان من أهم مجالات الغزو الثقافي مايلي:
أولًا: مجال التعليم والتربية؛ حيث صاغ الغربُ عن طريق هذا الغزو العربَ والمسلمين في بوتقة الثقافة الغربية وقالب الحضارة التي طَوَّرَها، فعَمِلَ على ترغيب الأمة العربية والإسلامية في ترك الدين جانبًا؛ لتتقدم كما تَقَدَّمَ الغربُ! فتَشَجَّعَتْ على تنحية الدين عن مناهج المدارس والكليات والجامعات التي يتم فيها تدريسُ العلوم العصرية.
كما حَرَّضَ الغربُ العربَ والمسلمين على التوسّع في عمليَّات الابتعاث للدول الغربية للالتحاق بجامعاتها؛ ليتم صناعة الأجيال العربية مصوغةً في بوتقة حضارة الغرب وثقافته، وبالتالي إعدادها – الأجيال – لتَوَلِّي القيادة في مجتمعاتها العربية والإسلامية، لكي تقوم بدور العُمَلَاء الأَوْفِيَاء للغرب، وتَتَوَلَّىٰ تشويه التاريخ الإسلامي عن طريق المُقَرَّرَات الدراسيّة، وإنشاءَ مدارس غربيّة المناهج في ديارها العربية الإسلامية، وتُبْعِدَ فيها النشءَ المسلمَ عن اللغة العربية، لكي يسهل إبعادُها عن الدين الإسلامي.
ثانيًا: مجال اللغة العربية، فقد عمل الغرب بوسائل متنوعة وحيل ماكرة كثيرة، على محاربة اللغة العربية باعتبارها وسيلةَ تعبير مباشرة في الدين الإسلامي عن المُعْتَقَدَات والأحكام والتعليمات التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم- من عند ربّه، لخير البشرية جمعاء، فهدمُ العربيّة كان محاولةَ هدم للتعاليم الإسلامية، وانتزاعِ مفتاحٍ لفهم الكتاب والسنة عن الأمتين العربية والإسلامية.
ثالثًا مجال الإعلام: اتَّخَذَ أعداء الأمة العربية والإسلامية وسائلَ الإعلام وسيلةً فعّالةً، لتنفيذ غزوهم الثقافي والفكري، علمًا منهم أنها تعمل في الرأي العامّ ما لا تعمله أي وسيلة أخرى، فشحنوها ببرامج مُدَمِّرَة متّصلة للأخلاق والمروءة والإنسانية وما يمتاز به الإسلام عن غيره من الخصائص التي تضع الفرق بين الإنسان والبهائم، واستخدموها لتجريد الأمة من هُوِيَّتها الإسلاميّة.
رابعًا مجال الحياة الاجتماعية: حاول الغرب أن يُدَمِّرَ في العرب خصوصًا والمسلمين عمومًا القِيَمَ الخلقية والأخلاق الإسلامية والتقاليد الدينية، والعادات الموروثة النبيلة، بفرض التيارات الغربية المُدَمِّرَة للحياة الاجتماعيّة، فابتعد المسلمون عن قِيَمِهم الأصيلة التي ظَلُّوا شَامِّين بها بين الأمم كلها، فذابت هُوِيَّتهم أو كادت، وامَّحَتْ شخصيتُهم أو أَوْشكتْ.
وإذا كان الغزو العسكريّ يهدف أصلًا إلى إحتلال الأرض، و خطره محدودًا نسبيًّا. فإن الغزو الثقافي يهدف أولًا وأخيرًا إلى إحتلال العقل والفكر وتغيير النفسيّة؛ ولذلك يكون هو أشَدَّ خطرًا من الغزو العسكري
هذا الغزو الثقافي الغربي أخطر من جميع أنواع الغزو الغربي. وكل ما نراه من المفاسد المدمرة في العالمين العربي والإسلامي، التي جَرَّدَت المسلمين من معنوياتهم، وجعلتهم جسدًا بلاروح أو هيكلًا خشبيًّا لا يُؤَدِّي دورًا في الحياة، إنما هو نتيجة لهذا الغزو الذي أحكم اليوم قبضتَه، وعَزَّزَ سيطرته، واستعبد العقول، وسَخَّرَ القلوب، وخَدَّر وعيَ المثقفين بالثقافة الغربية والقادة والحكام الذين يحكمون البلاد على وحي من الغرب، وإملاء غير مباشر من الصهيونية والصليبية التي لم ولن تفترا في محاربتهما للإسلام والمسلمين، والعرب والعروبة
المصدر الغزو الثقافي أو الفكري ظَلَّ أخطر بجميع المقاييس من الغزو العسكري مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العـــــــــــــــــــلوم ديــــــــوبنــــــــــــــــــــد ، شعبان 1439 هـ = أبريل – مايو 2018م ، العــــــــــــدد : 8 ، السنــــــــــــــــــــــة : 42 االكاتب نور عالم خليل الأميني
كان للحروب الصليبية التي إمتدت من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096 م – 1291 م)، أثراً كبيرا على العالم الإسلامي شأنها شأن أي محتل فتأثيرها إمتد على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية . وما كادت هذه الحروب أن تنتهي حتى بدأ الغزو المغولي الذي أسقط الدولة الخوارزميَّة التي شكَّلت الخط الدفاع الإسلامي الأوَّل ضدَّ الهجمات المغوليَّة سنة 1220م ،وبعد سنوات قليلة عام 656 هـ /1258م سقطت بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية . وشكَّل اجتياح المغول لِبغداد ودكِّهم معالم الحضارة والعُمران فيها وقتلهم أهلها كارثةً كُبرى للمُسلمين، بل كارثة الكوارث في زمانها. إذ احترقت الكثير من المُؤلَّفات القيِّمة والنفيسة في مُختلف المجالات العلميَّة والفلسفيَّة والأدبيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وغيرها، بعد أن أضرم المغول النار في بيت الحكمة، وهي إحدى أعظم مكتبات العالم القديم آنذاك، وألقوا بالكُتب في نهريّ دجلة والفُرات، كما فتكوا بالكثير من أهل العلم والثقافة، ونقلوا آخرين معهم إلى إلخانيَّة فارس، ودمَّروا الكثير من المعالم العُمرانيَّة من مساجد وقُصور وحدائق ومدارس ومُستشفيات. ومن نجا من الأهالي من المذبحة أُصيب بالأمراض والأدواء التي انتشرت في الجو نتيجة كثرة القتلى، وبعض هُؤلاء مات أيضًا. نتيجةً لِذلك، عدَّ الكثير من المُؤرخين المُسلمين والغربيين سُقوط بغداد نهاية العصر الذهبي للإسلام، فيما يراه المُؤرخون المُعاصرون بداية انحدار الحضارة الإسلاميَّة وتراجُعها، ذلك لأنَّ بعض المُنجزات الحضاريَّة استمرَّت بالظُهور (ولو على نحوٍ أقل) حتَّى ذُروة العصر العُثماني وتحديدًا زمن السُلطان سُليمان القانوني كان لِسُقوط بغداد دويٌّ هائلٌ وعميقٌ في مُختلف أنحاء العالم الإسلامي. واهتزَّ الحُكَّام المُسلمون في المناطق المُجاورة لِهذا الحدث الجلل. واعتبر المُسلمون في كُلِّ مكان، أنَّ سُقوط الخلافة العبَّاسيَّة صدمةٌ مُريعة، وتحديًا مُخيفًا، كان لهُ أسوأ الأثر في نُفوسهم. فعلى الرُغم من أنَّ الخِلافة ظلَّت مُنذُ زمنٍ طويلٍ تفقدُ قدرًا كبيرًا من سُلطتها الماديَّة، فإنَّ مكانتها الأدبيَّة والروحيَّة لا زالت قويَّة. فبكى بغداد الكثير من المُؤرخين والباحثين والعُلماء، منهم ابن الأثير الذي قال: «لَقَد بَقِيتُ عِدَّة سِنِينَ مُعرِضًا عَن ذِكرِ هَذِه الحَادِثَة اسْتِعْظَامًا لَهَا، كَارِهًا لِذِكرِهَا، فَأَنَا أُقَدِّمُ إِلَيهِ رِجلًا وَأُؤَخّّرُ أُخرى، فَمَن الذِي يَسهُلُ عَلَيهِ أَن يَكتُبَ نَعيَ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ؟ وَمَن الذِي يَهُونُ عَلَيهِ ذِكرُ ذلِكَ؟ فَيَا لَيْتَ أُمِّي لَم تَلِدُنِي، وَيَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ حُدُوثَهَا وَكُنتُ نَسيًا مَنسيًّا»
المصادر
Matthew E. Falagas, Effie A. Zarkadoulia, George Samonis (2006). “Arab science in the golden age (750–1258 C.E.) and today”, The FASEB Journal 20, pp. 1581–1586. جورج صليبا (1994), A History of Arabic Astronomy: Planetary Theories During the Golden Age of Islam, pp. 245, 250, 256–7. New York University Press, ISBN 0-8147-8023-7. الصبَّاغ، مُحمَّد بن لُطفي (شوَّال 1404هـ). “مجلَّة البُحوث الإسلاميَّة، دراسات تاريخيَّة – العدد العاشر”. الرئاسة العامَّة لِلبُحوث العلميَّة والإفتاء بالمملكة العربيَّة السُعوديَّة. مؤرشف من الأصل في 6 يوليو 2020.
تعددت أسباب تخلف المسلمين ولا يمكن حصرها ،وفي هذا النص سنتحدث فقط على الاسباب الاقتصادية
فبعد ثمانية قرون من سيطرة المسلمين على لطرق القوافل التجارية العالمية سواء طريق الحرير الشهير أو تجارة المحيط الهندي بين الشرق الأقصى وشرق أفريقيا أو طريق التجارة عبر الصحراء الكبرى،حققت له أرباحا ضخمة ساهمت في تطور مختلف القطاعات وبروز مراكز صناعية وتجارية وثقافية، وإبتداء من القرن السادس عشرميلادى، فقدت منطقة نفوذ العرب و المسلمين أهميتها التجارية لصالح أوربا الغربية، وتحول النشاط التجاري إلى المحيطات (المحيط الأطلسي والمحيط الهندي) والعالم الجديد يقول قطب الدين النهروالي: «وقع في أول القرن العاشر للهجرة من الحوادث الفوادح النوادر، دخول الفرتقال اللعين من طائفة الفرنج الملاعين إلى ديار الهند “…” ثم اخذوا هرمز وتقووا هنالك، وصار المدد يترادف عليهم من البرتغال، فصاروا يقطعون الطريق على المسلمين اسرا ونهبا، ويأخذون كل سفينة غصبا، إلى ان كثر ضررهم على المسلمين وعم اذاهم المسافرين»، حيث أسفر ذلك عن تعطيل تام للتجارة مما أدى إلى إفلاس التجار وذهاب رؤوس الأموال مما خلف ثغرة اقتصادية هائلة كانت هي السبب المباشر لنهاية العصر الذهبي للإسلام وتلك الفترة تمثلت في تحولات ثقافية اجتماعية سياسية، انخفض مستوى المعيشة بشكل عام من المستوى الفخم المتقن الذي تعودوا عليه إلى المستويات الأساسية فقط فمثلا تجردت ملابس العرب من الزخارف والتوشية والتطريز التي تعودوا عليه واكتفى عامة الشعب بعد ذلك باللباس الأساسي البسيط وهذا ينطبق على مجال العمارة وصناعة السفن والتعليم، وتلك الثغرة الاقتصادية لم تسد إلا في القرن العشرين بعد النهضة العربية، وكان التدخل الفرنجي قد أحدث منذ بدايته في القرن العاشر الهجري، دمارا كارثيا أسفر عن تغيرات عدة للعالم العربي في شتى نواحي الحياة:
الناحية الثقافية: لم يعد بالإمكان استمرار التعليم المتقدم في “المدارس” أدى إلى إغلاقها والاكتفاء بـ”الكتاتيب” الأرخص ثمنا، مما أدى بالتالي إلى شحة الإبداع العلمي وقلة التواصل العلمي والأدبي وهو السبب الأساسي في ظهور اللهجات المحلية في الدول العربية، وصار محصورا بشكل عام في بعض المراكز ذات البعد الروحي بشكل أساسي كـ”الجامع الأزهر” لأهل السنة، والحوزة للشيعة.
الناحية الاجتماعية:انتشرت في بعض الدول ثقافات هي ناتج مباشر لشحة الاقتصاد مثل تمجيد السلب والنهب واعتبارها ضربا من ضروب الشجاعة في بعض المناطق من العالم العربي، ونشأت هنا بعض القيم التي أورثتهم اياها الظروف حتى ترسخت هذه القيم الغربية وتختلف تلك القيم من منطقة إلى أخرى بحسب الظروف المحلية.
المستوى الأمني: تدهور الوضع الأمني بحيث تضطر بعض القبائل إلى الإغارة والسلب في سبيل توفير لقمة العيش والاستمرار ومع مرور الوقت أصبحت تلك الحاجة ثقافة اجتماعية في بعض الدول.
السياسية:نتج ضعف عسكري نوعي في الدول العربية وإن كان الأوروبيون لم يتمكنوا من إخضاع المنطقة نظرا للمقاومة الشديدة من أهلها وكانت الحالة ما بين شد وجذب واشتد العمليات المضادة للأوروبيين خصوصا بيد اسطول اليعاربة والأسطول الجزائري وعموما انتهت المنافسة العسكرية أخيرا لصالح الغرب بالاستعمار الأوروبي للبلدان العربية.واستمر التسلط الأوروبي حتى الحرب العالمية الثانية التي أنهكت قواهم بها ولم يعودوا قادرين على الاحتفاظ بممتلكات واسعة حول العالم.
المصادر محمد بن أحمد النهروالي المكي: “البرق اليماني في الفتح العثماني”، ط2، سنة 1407هـ – 1986م تجارة عربية ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
بعد أن وصل السلطان عبد الحميد خان الثاني للحكم ابتسم كامل ربوع العثمانيين لأنه كان معروفا برجاحة عقله وحسن أخلاقه وكان أول عمل قام به بعد تولي السلطنة هو اقامة حفل تتويجه من ماله الشخصي حتى لا يثقل دين الدولة وينفق على الفقراء في كل الأنحاء العثمانية مما جعل الكل يستبشر بهذا الرجل وبعد ثلاثة أعوام من حكمه قرب فيهم العلماء له أرسل علماء الأزهر الذين كانوا يعارضون دائما سياسات الخديوي المصري في التقرب من الغرب وظهور الموضه الاوربيه بين الطبقة الأرستقراطية في القاهرة يقربهم منه ويتواصل معهم ويعظم شأنهم بسبب غزارة علمهم فأرسلوا له أسباب ضعف الأمة من وجهة نظرهم بهذه الوثيقة المهمة التي تحوي ٥٠ سبب حصرهم علماء الأزهر لخليفة المسلمين عبد الحميد خان الرسالة التي جاءت ممهورة بأسماء العلماء الذي تنادوا عليها- في 29 رمضان عام 1296 هجرية أي بعد ثلاث سنوات من تولي السلطان عبد الحميد الحكم، وقبل ثلاثين عاما من سقوط الخلافة نص الرسالة “بسم الله وبحمده بعدَ حمدِ اللهِ الذي بتوفيقِهِ تستقيمُ الأمورُ. والصلاةُ والسلامُ على نبيِّه في الآصالِ والبكورِ، والدعاء إلى أمير المؤمنين السلطان الأعظم والخاقان المعظم، مولى ملوكِ العربِ والعجمِ، مولانا الغازي عبدِ الحميدِ خان ، أيَّدَ الله بهِ الإسلامَ، وأبدلَهُ النصرَ والسدادَ، ما تعاقبَ الْمَلَوَانِ ، فإذ العرضُ لدولتِهِ الفخيمةِ وفخامتِهِ الكريمةِ أنَّ الله –جلَّ ثناؤه- لم يختَرْ خليفةً عن حضرته العليَّة في خلقِه إلا ليقيمَ أمرَ الدينِ، ويقوِّمَ عوجَ المسلمين، ويسوسَ الدنيا والدينَ بما آتاهُ اللهُ منْ وافرِ العقلِ، وباهرِ الحزْمِ، وماضي العزمِ. وما مَنَّ عليهِ من جميل التوفيقِ وسلوكِ أقومِ طريقٍ. وغيرُ خافٍ على بصيرةِ دولتِهِ المستنيرةِ بنورِ اللهِ -جلَّ شأنُهُ- أنَّ الداءَ لا يبرَأَ ، والجرح لا يندمِلُ ولو عُولجَ بكلِّ دواءٍ ما دامَ السببُ قائمًا، وإنَّا نرَى ما ابتُليَ بهِ الدينُ المحمديُّ، وعُرَى الملكِ الإسلاميِّ من الضعفِ، وكثرةِ التضجُّرِ، وإظهارِ التحسُّرِ، وكسادِ الأسواقِ، وقلةِ البركةِ في الأرزاقِ وغيرِها، واشتدادِ الأمرِ، وازديادِ القهرِ، وكثرةِ العناءِ والتعبِ، والشدائدِ والكُربِ؛ إنما هوَ لتهاونِ الناس بأوامرِ الله ونواهيهِ؛ فأَجَلُّوا معاصيَهُ بالعكوفِ عليها، والتجاهرِ بها، وأخَلُّوا بأوامرِ الشرعِ بالتهاونِ بها، وجَعْلِهَا نسيًّا منسيًّا، واتباعِ عاداتِ الإفرنجِ والكفرةِ، والافتخارِ بتحصيلِهَا، وتركِ السنةِ المحمديةِ الإسلاميةِ؛ حتى فشَتْ المنكراتُ والمعاصي في الأقطارِ، وصارتْ ديدنَ الأعيانِ والعوامِ والصغارِ والكبارِ، ولا يوجَدُ منكِرٌ ولا زاجرٌ. وما فشَتْ المعصيةُ في قومٍ إلا حلَّ بهمُ الوبالُ، وشُدِّدَ عليهمُ النكالُ، وأُخذوا بقهرِ السلاسلِ والأغلالِ، ورُموا بسوءِ الحالِ، وقدْ قالَ صلى الله عليه وسلم: “إِذَا خفيتْ المعاصي فلا تضرُّ إلا صاحبَها، وإذا ظهرتْ ضَرَّتْ العامةَ”، وفي الحديث أيضا: ” لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ؛ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ الله عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ، فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ، فَلاَ يُسْتَجَابُ لهم” ، وما اضمحلَّ الدينُ والدولةُ، وفسدتْ الدنيا والآخرةُ إلا بالتهاونِ في أمرِ الشريعةِ المحمديةِ، وعدمِ المحافظةِ على حقوقِها، وقد قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ، وقال: إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ؛ أي: إن تنصرُوهُ بامتثالِ أوامرِه واجتنابِ نواهِيهِ، وقتالِ أعدائِهِ؛ ينصرْكم عليهم، ويثبتْ أقدامَكم في قتالهِم، وإلاَّ يخذلْكم، وينعكسْ الأمرُ، ويزلزلْ أقدامَكُمْ. والسلطانُ -أعزَّهُ اللهُ تعالى- هو الإمامُ الأعظمُ الذي على قطبِهِ تدورُ رَحى الملةِ المحمديِّةِ، وتنتظمُ عقودُ الممالكِ الإسلاميةِ، وعلى كلِّ مسلمٍ واجبٌ -قدرَ استطاعتِه- أن يعرضَ لهُ ما يراهُ من المغايراتِ في ممالكِه ليتداركَ أمرَها، ويسدَّ خَلَلَها. ولقدْ ظهرتْ المعاصي ظهورَ الشمسِ في رابعةِ النهارِ في جميعِ البلدانِ والأقطارِ؛ منَ المنكراتِ وأنواعِ الكبائرِ والمحرماتِ التي تكونُ سببًا لعمومِ البلاءِ، وكسرِ شوكةِ المسلمينَ وعزَّتِهم وقَدْرِهِمْ، وخرابِ بلادِهم، وتسليطِ العدوِّ، وتشتيتِ القلوبِ، وعدمِ طاعةِ الأصاغر إلى الأكابرِ، والرعيةِ إلى الأميرِ، ووقوعِ الاختلافِ فيما بينهُمْ، وقلةِ المطرِ والنباتِ، والقحطِ والغلاءِ، وكثرةِ الموتِ والوباءِ، وعدمِ قبولِ الدعواتِ مما سنسردُه فنقولُ: أعظمُهنَّ وأكبرُهنَّ الإشراكُ باللهِ والكفرُ
تركُ إجراءِ الأحكامِ والحدودِ الشرعيةِ والأركانِ المحمديةِ، والحكمُ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ تعالى . تركُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، والسكوتُ والإقرارُ عليه عندَ علمِه ورؤيتِه، وعدمُ المبالاةِ بها . قتلُ النفسِ بغيرِ الحقِّ، وأكلُ الربا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، وأخذُ الرشوةِ، والزنا واللواطُ، وشربُ الخمرِ والمسكراتِ، وأكلُ لحمِ الخنزيرِ . تركُ الصلاةِ والصومِ والحجِ والزكاةِ، وقذفُ المحصناتِ بالبهتانِ، والنميمةُ والكذبُ والحسدُ وغيرها . ألفاظُ الكفرِ وأفعالُه، والمشابهةُ لأفعالِ الكفرةِ وعاداتِهم بغيرِ ضرورةٍ شرعيةٍ . أنواعُ البدعِ في الاعتقادِ والأعمالِ والأفعالِ والهيئةِ وغيرِها. رغبةُ الناسِ إلى عادةِ الكفرةِ، وتركُ السنةِ السُّنيَّةِ المحمديةِ، وعدمُ الغسلِ من الجنابةِ. أنواعُ الربا في المعاملاتِ والديونِ والأسهامِ وغيرها. أنواعُ الإسرافاتِ في الأكلِ والشربِ واللباسِ والزينةِ والبناءِ وغيرِها. إفشاءُ المعصيةِ في بلادِ المسلمينَ؛ كشربِ الخمرِ، والربا، والأكل، في نهارِ رمضانَ عمدًا، وشربِ الحشيشِ والأفيونِ وغيرِها. افتتانُ النساءِ والناسِ، بعضِهم بعضًا. شهادةُ الزورِ وكتمِ الشهادةِ للخاطِرِ، والشهادةُ بلا طلبٍ لإبطالِ الحقِّ. اتخاذُ الأصنامِ والتصاويرِ في البيوتِ، وصورةِ كلِّ ذي روحٍ ولو كانت صورةَ الأنبياءِ والملائكةِ. أخذُ المكسِ من غير محلِّه، وأخذُ العُشْرِ والخراجِ فاحشًا. عدمُ منعِ الساحرِ والمنجمِ والملحدِ والكاهنِ والعرافِ وأمثالهِم. عدمُ الاهتمامِ بمصالحِ المسلمينَ وأمورِهم المتعلقةِ بالأحكامِ والمجالسِ والأقلامِ. الالتفاتُ إلى كلامِ المزوِّرينَ الفاجرينَ الظاهرِ تزويرُهم وفجورُهم، وعدمُ تأديبهِم. هدمُ المساجدِ والمقابرِ الهوى النفسِ، وجعلُها مزبلةً وطرقًا من غيرِ ضرورةٍ شرعيةٍ. بيعُ الأوقافِ وتبديلُها ، وبيعُ الفاسدِ، والغشُّ والنقصانُ. بيعُ الحرائرِ وافتراشُهن واستعمالُهن استعمالَ الأرقِّةِ؛ كالجراكسةِ والسودانيةِ المسلماتِ اللاتي لم يقعْ عليهنَّ رقٌّ أصلا. بيعُ العبدِ المسلمِ والأَمَة المسلمة إلى الكفارِ والفجارِ. خصاءُ العبيدِ وظلمُهم وقطعُ الأعضاءِ، والمُثْلَةُ والوشمُ. الإعانةُ على إحداثِ الكنيسةِ في دارِ الإسلامِ، وإحداثُها في محلاتِ المسلمين وقربِهم. عدمُ تعظيمِ القرآنِ في الختماتِ وغيرها بشربِ الدخانِ والكلامِ اللغوِ في مجلسِه وأمثالِها. عدمُ حرمةِ المساجدِ بالنومِ وإدخالِ الصبيانِ فيها، ووقوعِ رائحةٍ كريهةٍ بسببها، وسائر المؤذياتِ للمصلين. عدمُ النظافةِ في المساجدِ، وتنجيسُ محلِّ الوضوءِ في الحنفياتِ بالبولِ فيها معَ وجودِ الخلاءِ، وكشفُ العورةِ فيها . تحقيرُ أهلِ العلمِ والصلاحِ والمشايخِ من المؤمنين . تعظيمُ قسيسِ اليهودِ والنصارى على علماءِ الإسلامِ من غيرِ ضرورةٍ شرعيةٍ. عدمُ أخذِ الجزيةِ من الذميين، وعدمُ دعايتِهم إلى شروطِ الذمةِ الشرعيةِ. ظلمُ أهلِ الذمةِ من غيرِ وجهٍ شرعيٍّ، وعدمُ المحافظةِ على أموالِهم وأعراضِهم. استعمالُ الكفرةِ أميرًا على أعمالِ بلادِ الإسلامِ بالماهياتِ الجسيمةِ الفائقةِ. إعطاءُ العمالِ فوقَ كفايتِهم الشرعيةِ أضعافًا مضاعفةً . طمعُ العمالِ في أموالِ فقراءِ المسلمينَ، والدخولُ في بيعِهم وشرائِهم. عدمُ تحقيقِ حركاتِ المأمورين والعمالِ وأمناءِ بيتِ المالِ. عزلُ الوزيرِ الصالحِ، وتوليةُ الجائرِ، واستعمالُ الطبيبِ الجاهلِ الفاجرِ. إعطاءُ الرُّتبية والمأموريةِ إلى غيرِ المستحقين من غيرِ التحقيقِ والتجربةِ بسبب الالتماس. استعمالُ الخائنين المردودين من المأموريةِ بسببِ خيانتِهم البينةِ المحقَّقَةِ . اتخاذُ القيناتِ والمزاميرِ، واللعبُ واللهوُ وأنواعها، و التغني بالأشعار والتياطورا ونحوِها. شربُ النساءِ الخمرَ وإسقاؤه للمعصومين من الأطفالِ والمجانين، وسائرِ المسكراتِ والمخدِّراتِ والمفتراتِ والخبائثِ. كشفُ العوراتِ للنساءِ والرجالِ في الأسواقِ والشوارعِ والحماماتِ، وعدمُ المبالاةِ بها. إشهارُ النساءِ والرجالِ أنواعَ الفواحشِ في الأسواقِ والطرقاتِ وانغماسُهن فيها وغيرها. السرقةُ والجنايةُ والتطفيفُ في الكيلِ والوزنِ والذراعِ وغيرِها. إحداثُ البناءِ والخلاءِ على مقابرِ المسلمين، والبيتوتةُ فيها، وإجراءُ أنواعِ الفواحشِ فيها. زيارةُ النساءِ المقاماتِ المباركاتِ، وارتكابُ أنواعِ المناهي والمعاصي. تجارةُ النساءِ في الأسواقِ وغيرِها مع وجودِ أزواجهنَّ ومحارمهنَّ بغيرِ ضرورةٍ، واستئجارُ النساءِ مع الرجالِ لأعمالِ الأبنيةِ والطرقاتِ. اتباعُ النساءِ الجنائزَ مع النياحةِ وشقِّ جيوبهنَّ وصبغِهنَّ بالسوادِ، واجتماعُهنَّ في بيتِ الميتِ في كلِّ يومِ خميسٍ، ونياحتُهنَّ فيه. الذبحُ للميتِ والطعامُ إلى أربعين يومًا، واتخاذُ المأتمِ له. نبشُ التربيِّ القبورَ، وأخذه أكفانَ أمواتِ المسلمين. قصُّ اللحيةِ وخفضُها وعدمُ قصِّ الشاربِ، وإظهارُ الولايةِ، وادعاؤها مع تركِ الفرائضِ وارتكابِ أنواعِ المعاصي. خدمةُ نساءِ المسلمين إلى الكفرةِ، والبيتوتةُ معهم بالإيجارِ، وجلوسُهنَّ في حجرِ الكفرةِ للبسِ الجزمةِ وغيرهِا في الدكاكينِ. عقوقُ الوالديْنِ المسلميْنِ والأميرِ والأستاذِ والمشايخِ، وقطعُ صلةِ الرحمِ بغيرِ ضرورةٍ شرعيةٍ. لعنُ الأصحابِ وسبُّهم، ولعنُ المسلمين بعضِهم بعضًا، وغيرُها من المنكراتِ التي تكونُ علنًا وجهرًا. عدمُ تشديدِ السياسةِ لدوامِ الرياسةِ وحصول الأمنِ والاستراحةِ، وتأييدِ الشرعِ بالقولِ والفعلِ لأمنيةِ الجهادِ . فمضرةُ هذه المناهي شاملةٌ لعمومِ المسلمين في الدنيا والآخرةِ بقدرِ استطاعتِهم في النهيِ والمنعِ عن هذه المنكراتِ، ولا ضرورةَ لنا وللأميرِ في عدمِ منعِها؛ لأنه لا دخلَ ولا تعرُّضَ فيها لحقوقِ الدولِ السائرةِ؛ ولهذا يكونُ فرضًا قطعيًّا منعُها بأي وجهٍ كان؛ سواء بمعرفة الضبطيةِ والعسكرِ، أو بواسطةِ مشايخِ البلدانِ وإمامِهم ومختارِهم وعلمائهم
ومن اللهِ الإعانةُ والتوفيقُ، وهو الذي يُنزلُ الغيثَ من بعدِ ما قنطوا وينشرُ رحمتَه وهو الوليُّ الحميدُ. (29 رمضان سنة 1296). —
— التوقيعات: الفقير محمد البنهاوي الشافعي الفقير متولي علي العاصمي الحنفي الفقير لوجهه أحمد حنفي المالكي الفقير إلى الله تعالى يوسف الحنبلي شيخ الحنابلة بمصر القاهرة بالأزهر، عفي عنه. الفقير إليه تعالى محمد علي الشامي الرافعي الحنفي، عفي عنه. الفقير إليه تعالى أحمد المنصوري المالكي. الفقير حسن داوود المالكي. الفقير إليه محمد أبو الفضل المالكي بالأزهر. الفقير مصطفى الإشراقي الشافعي الفقير سليمان النجار الدمنهوري المالكي بالأزهر، عفي عنه. الفقير علي الشامي الجيزاوي. الفقير مصطفى عز الشافعي بالأزهر. الفقير إليه سبحانه عبد الوهاب السيوطي الحنفي، عفي عنه. الفقير أحمد فايد الزرقاني. إبراهيم المحطب الحنفي بالأزهر. الفقير عبد اللطيف الخليل الشافعي، عفي عنه. الفقير إليه صالح الجياوي الشامي الشافعي عفي عنه. عبد الهادي أبياري، عفي عنه. الفقير إليه تعالى سليمان العبد الشبراوي الشافعي عفي عنه. الفقير إليه تعالى علي مرزوق المالكي بالأزهر، عفي عنه. الفقير مسعود النابلسي الحنفي بالأزهر، عفي عنه. الفقير إليه تعالى حسن محمد القويسني الشافعي بالأزهر، عفي عنه. الفقير إليه تعالى أحمد الجمل الشافعي السباعي، عفي عنه. الفقير علي الجنايني الشافعي بالأزهر. الفقير إليه تعالى علي المخللاتي الغزى الشافعي بالأزهر عفي عنه. الفقير حسن العدوي خادم العلم الشريف بالأزهر، عفي عنه. الفقير محمد الخضري خادم العلم بالأزهر. الفقير يحيى مصطفى البوك في. الفقير إليه تعالى سالم الشبيني الشافعي بالأزهر، عفي عنه. الفقير عبد الحي الشافعي. ———— مصدر الوثيقة: الأرشيف العثماني، إسطنبول، تركيا، تحت تصنيف رقم Y PRK MK 00010016005