أقدم ما وصلنا مِن عمل في الفكر الأخلاقي في القرآن

الأخلاق هي مجموعة القيم والمبادئ التي تحرك الشعوب مثل العدل والمساواة والحرية، وتصبح مرجعية ثقافية لها وسنداً قانونياً تستقي منه دولها أنظمتها وقوانينها
وقد حثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، فهي أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس
فما اجتمعت طائفة من الناس في أي مكان على الأرض، أو في أي عصر من عصور التاريخ إلا وقد نجم عن هذا التجمع قواعد للتمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، والكمال والنقصان، وغير ذلك من المعايير التي يلتزم بها الناس في سلوكهم ليعيشوا حياة سعيدة، ويحققوا أكبر قدر من الطمأنينة والرضا والكمال، فإذا شئنا أن نؤرخ للأخلاق فربما كان من الأفضل أن نبدأ بالإنسان البدائي ، والحضارات الشرقية القديمة قبل أن نصل إلى صورتها عند اليونان
[١]
لكن الغرب يكاد يجمع على ان علم أخلاق قد إبتدعها العبقرية الغربية اليونانية في إيطارمايسميه «المعجزة اليونانية «الإغريقية»» متناسيا تأثرها بالحضارات السابقة مثل الحضارة المصرية الذي كان لها الأسبقية في مجال الفكر الأخلاقي
ولقد حدد (أندريه كريسون فيلسوف الفرنسي) للفكر الأخلاقي اليوناني الذي هوأساس ومنطلق كل فكر أخلاقي في الغرب له سمتين رئيسيتن هما
التخلي عن الدين وتحاشيه وتنحيته تماما عن الفكر الأخلاقي
تاسيس فلسفتهم الخلقية على العقل و التجربة
ومن ثم إتجهت فلسفتهم الى مخاطبة العقل وحده في الانسان،ومعلوم أن الانسان ليس عقلا فحسب،ولكنه كينونة مركبة متكاملة،و تأسيسا على ذالك ،فان اية فلسفةلا تنظرالى الانسان على انه كينونة مركبة،و تتجه الى مخاطبة عقله فقط،هي فلسفة قاصرة تتعلق بالعقل المجرد،ولاتتعلق بالانسان،و هذا ينأي بالفكرالاخلاقي عن تأثير في الواقع
[٢]
وبغظ النظر على إختزالهم للإنسان كعقل فقط وفصله عن وجدانه
فقد قوبلت فكرة فصل الأخلاق عن الدين بمعارضة شديدة من وجهة النظر الإسلامية ّ، التي تؤمن بالتشريع الإلهي الكامل الذي يسمو فوق كل تشريع وضعي عرفه البشر في القديم والحديث ، والذي هو أعدل المبادئ الإنسانية السامية التي لم و لن يشهد التاريخ أسمى و أنفع منه للإنسانية .القادر على إحداث الموازنة بين الروح والمادة
وقد حدد الرسول الله الغاية من بعثته أنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخلق الحسن الذي ليس فوقه قانون،حيث قال الرسول
“إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “
فالأخلاق الإسلامية هي الأخلاق والأداب التي حث عليها الإسلام وذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية اقتداء بالنبي محمد الذي هو أكمل البشر خلقا لقول الله عنه
” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ “
ومصدر الأخلاق الإسلامية هو الوحي، ولذلك فهي قيم ثابتة ومثل عليا تصلح لكل إنسان بصرف النظر عن جنسه وزمانه ومكانه ونوعه، أما مصدر الأخلاق النظرية فهو العقل البشري المحدود أو ما يتفق عليه الناس في المجتمع «العرف»، ولذلك فهي متغيرة من مجتمع لآخر ومن مفكر لآخر
كان النص الإسلامي في الأخلاق كافيًا في المرحلة الأولى (عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم)؛ حيث فهِم المسلمون منه قواعد السلوك، ومعاييرَه تبعًا لفهمهم الدَّقيق للفظ النصِّ الإسلامي، ووَعْيهم بأحكامه ومعانيه، لكنهم لم يكونوا بحاجةٍ إلى جلسات دراسة حول القيمة أو المعيار أو ما يشبهها من مصطلحات
لكن ذلك لم يكن مانعًا لهم مِن التفكُّر حول المسائل الأخلاقية وقواعدها حين يقتضي الأمر ذلك، فحين جدَّت على ساحة المسلمين أحاديثُ حول الإيمان والعمل، والحكم في مرتكب الكبيرة، والجبر والاختيار، وغيرها من القضايا التي قد تبدو قضايا عقدية، وهي في حقيقتها قضايا أخلاقية، حين ذلك وُجِد عند المسلمين الفكرُ الأخلاقي في مرحلة مبكرة، أي: قبل نهاية القرن الأول الهجري، وحسبنا أن نذكر رسالةً للحسن البصري ت110 هـ، تُسمَّى (فرائض الإسلام)، تعتبر أقدم ما وصلنا مِن عمل اليوم والليلة في الفكر الأخلاقي،وتبِعها في مجالها أعمال مماثلة ومشابهة؛ مثل الزهد لابن مبارك، والزهد للإمام أحمد حنبل، والأدب المفرد للبخاري
[٣]
وقد جمعت محاضراته المتعلقة بالأسس الأخلاقية في القرآن باسم (مسائل) جمعها صاحبه الأشعث الحمراني
وقد ألف عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي كتاب في سيرة الإمام الحسن البصري رحمه الله سمّاه كتاب آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه رحمه الله تعالى ،وبدأ بذكر منشئه ووصف أحواله وأفعاله، ثم ذكرِ ما أورد من آداب وأخلاق، ثم ذكر ما أورد من الحكم والمواعظ. ثم بيَّن ذمَّه للدنيا ونهيه عن التعلق بها، وما روي عنه رضي الله عنه في قصر الأمل، وما ذكره في الدعاء، والاستغفار، والنهي عن التصنع، والرياء، ثم ذكر ما روي عنه في الخروج على الأمراء
افضل اقوال الامام الحسن البصري
ابن آدم لا تغتر بقول من يقول : المرء مع من أحب ، أنه من أحب قوما اتبع آثارهم ، ولن تلحق بالأبرار حتى تتبع آثارهم ، وتأخذ بهديهم ، وتقتدي بسنتهم وتصبح وتمسي وأنت على منهجهم ، حريصا على أن تكون منهم ، فتسلك سبيلهم ، وتأخذ طريقهم وإن كنت مقصرا في العمل ، فإنما ملاك الأمر أن تكون على استقامة ، أما رأيت اليهود ، والنصارى ، وأهل الأهواء المردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم ، لأنهم خالفوهم في القول والعمل ، وسلكوا غير طريقهم فصار موردهم النار ، نعوذ بالله من ذلك
المصدر
١ كتاب «تطور الفكر الأخلاقي في الفلسفة الغربية» د. محمد مهران رشوان
٢ كتاب الفكر الأخلاقي دراسة مقارنة د.محمد عبد الله الشرقاوي
٣ أبحاث ندوة نحو فلسفة إسلامية معاصرة المعهد العالمي للفكر الإسلامي
أخلاق إسلامية – ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
مجلة الرسالة/العدد 977/الحسن البصري
اترك تعليقًا