ما يدرس لنا ان نشأت فكرة الضمان الاجتماعي في نهاية الحرب العالمية الثانية، وروعي في تقريرها أن السلام الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق في حياة الشعوب إذا ترك الفرد يواجه محنه وشدائده وحاجته، دون أن يشعر بأن المجتمع من حوله على استعداد لمد يد المعونة إليه وقت ضعفه ومحنته
لكن في الحقيقة. فإن التكافل الاجتماعي من المعالم الحضارية في الإسلام ، ولا يمثل الضمان الاجتماعي الا بعض صور التّكافل الاجتماعي، فلا يقتصرالتكافل الاجتماعي على النفع المادي، بل يتجاوزه إلى حاجات المجتمع المعنوية، ولذلك فهو يتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل المجتمع على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم
وقد إهتم الإسلام بالتكافل ليكون نظاما لتزكية ضمير الفرد وسلوكه الاجتماعي، ولربطه بجماعته وقيمه، ولتحديد نمط المعاملات المالية والاقتصادية في المجتمع المسلم. ووضع الإسلام الأسس النفسية والوسائل المادية اللازمة لإقامة التكافل بين أفراد المجتمع. ومن أهم الأسس النفسية إقامة العلاقات المادية والمعنوية
على أساس الأخوة، لقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
ورتب على الإيمان حقوقا للآخرين، فلا يؤمن الفرد ما لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه،ويعيش معه كالبنيان يشد بعضه بعضا، وجعل العدل وحفظ الحقوق من قيم الدين الأساسية، بل نُدب إلى عدم الاقتصار على العدل، وإنما إلى الارتقاء إلى الإحسان والإيثار من أجل إشاعة جو العفو والرحمة والمودة بين الناس
وتشتمل الوسائل المادية التي وضعها الإسلام للتكافل الاقتصادي والاجتماعي على ماهو منوطٌ بالأفراد، وماهو منوط بالدولة على النحو التالي
الوسائل الفردية لتحقيق التكافل
أ- الوسائل الفردية الإلزامية
تشتمل هذه على الزكاة، ونفقات الأقارب، والكفارات، والديات على النحو التالي
الزكاة: وتشتمل على زكاة المال وزكاة الفطر، وتمثل الأولى حقوقا معلومة لفئات محددة شرعا، في مقدمتها الفقراء والمساكين، وهي كفيلة -لونظمت- بأن تحل كثيرا من المشكلات الاجتماعية الناتجة عن الفقر، بينما تجب الثانية على الرجل والمرأة، والصغير والكبير.
نفقة الأقارب: من زوجة، وأبناء، وآباء وإخوة وبقية الأرحام المحتاجين منهم للنفقة
الكفَّارات: ككفارة اليمين، وكفارة الفطر عمدا بدون عذر مقبول شرعا في نهار رمضان وغيرها. وهذه الكفارات في بعض مصارفها إطعام لعدد من المساكين
الديات: حيث يشترك أقارب القاتل خطأً في دفع الدية إلى ورثة المقتول، وتمثل الدية ضمانًا من المجتمع لورثة المقتول، فلا يضيع دم إنسان هدرا في المجتمع.
ب- الوسائل الفردية التطوعية
وتشتمل، إضافة إلى الوقف، على الوصية والعارية والهدية والهبة على النحو التالي
الوصية: وهي أن يوصي الشخص عند موته بنسبة من ماله لا تزيد على الثلث لشخص معين، أو جهة معينة، أو جماعة من الناس بأعيانهم أوبأوصافهم، أو أي جهة من جهات الخير.
العارية: وهي تمكين الشخص غيره من استخدام وسائله مجانًا، شريطةَ أن يردها له. وقد حثت الشريعة الإسلامية على هذا الأسلوب من التعاون التكافل لما له من آثار إيجابية، وأنكرت على من يمنع هذا الحق ما دام لايلحق به ضرر، وقرنته بالتقصير في الصلاة، أحد أهم أركان الإسلام
الهدية والهبة: وقد حثت الشريعة عليها لدورها المهم في تقوية النسيج الاجتماعي، وإشاعة روح الألفة والمودة بين أفراد المجتمع
الوسائل المنوطة بالدولة لتحقيق التكافل
تأمين موارد المال العام: وذلك باستثمار الموارد الطبيعية للمجتمع بمـا تشتمل عليه من غابات ومراعي ومعادن وكنوز، وذلك من أجل تعظيم الرفاهية الاجتماعية لأفراد المجتمع جميعا لقوله الرسول :المسلمون شركاء في ثلاثـة المـاء والكلأ والنار
إيجاد فرص عمل للقادرين عليه: وذلك بالبحث عـن أفضـل السـبللمواجهة مشكلة البطالة، عن طريق القيام بالمشـروعات الاقتصـادية المكثفـة لعنصر العمل، وخصوصا مشروعات البنية التحتية مع إعطاء الأولوية في منح فرص العمل للفئات الفقيرة
تنظيم وسائل التكافل الفردي: فالدولة مسؤولة عن تنظيم الوسائل الفردية للتكافل- سابقة الذكر- وخاصة الزكاة والوقف، وذلك بإقامة السياسات اللازمة لتحقيق أهداف تلك الوسائل، المتمثلة في القضاء على الفقر، وتقريب الهوةالاجتماعية بين الموسرين والمحرومين، وإيجاد الضمانات اللازمة لتحقيق ذلك
مصدر
دور الوقف في تحقيق التكافل الاجتماعيفي البيئة الإسلامية
المرسي السيد حجازي أستاذ الاقتصاد العام ورئيس قسم المالية العامة كلية التجارة – جامعة الإسكندرية – مصر