Archive for the ‘علوم السياسة’ Category

التعددية الحزبية في الإسلام   Leave a comment

يقول د محمد عمارة عن الحضارة الإسلامية والتعددية الحزبية
“كثيرون من الناس يظنون أن تبلور الأفكار والأيديولوجيات السياسية في أحزاب منظمة ومتعددة، هي ظاهرة من الظواهر التي تميزت بها الحضارة الغربية قبل غيرها، وأن أمم الحضارات الأخرى قد أخذتها عن الغربيين، وإذا كانت الجزئية الأخيرة – وهي أخذ الشعوب غير الغربية ظاهرة التعددية الحزبية عن الغرب – صحيحة فإن السبب في ذلك هو تأثر النهضات الحديثة لهذه الشعوب بالنموذج الحضاري الغربي، بسبب التأثير والهيمنة الغربية الحديثة والمعاصرة على حضارات تلك الشعوب.”

أما فيما يتعلق بتاريخ وأصالة ظاهرة التعددية الحزبية في الفكر والعمل السياسي، فإنها – وعلى الأخص في النموذج الحضاري الإسلامي – قديمة وعريقة .. وسابقة على معرفة الغرب لها بقرون.

ذلك أن «مشروعية» التعددية السياسية، في النظرة الإسلامية، إنما تتأسس على «مشروعية» التعددية بإطلاق .. والإسلام يرى التعددية سنة من سنن الله سبحانه وتعالى، في كل ما عدا الذات الإلهية.. فالواحدية هي لله وحده، وما عداه قائم على التعدية، والازدواج، والتوازن، والارتفاق.
فالتعددية والاختلاف هي القاعدة والأصل.. وهي سنة الله سبحانه وتعالى، في الخلق المادي وفي الاجتماع البشري، وفي الآراء والأفكار.. والمفسرون في تفسيرهم لقوله سبحانه ﴿وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ يقولون: «وللاختلاف خلقهم» .
ففي «الأصول» – أصول العقيدة والشريعة والأخلاق – هناك «وحدة» هي التي تحقِّق للأمة الإسلامية وحدتها عبر الزمان والمكان، ضامنة لها وحدة الهوية والجوهر، والتواصل الحضاري .

أما في «الفروع» – التي تشمل تفاصيل العمران ومتغيِّرات السياسة والاجتماع والاقتصاد والنظم والتنظيمات.. فإن «التعددية» واردة.. وفي إطار هذه «الفروع» يأتي الاجتهاد والتجديد، لا كمجرد «حقوق» للإنسان؛ بل «كفرائض» إلهية على هذا الإنسان ..
فهناك مساحة «للوحدة» – وحدة الأمة في «الأصول» – لا يجوز فيها الافتراق، ولا التعددية، ولا التحزب .. وهناك مساحة «للتعددية» – تعددية الأحزاب والمدارس الفكرية والتيارات المذهبية – هي مساحة «الفروع» والمتغيرات، سواء في علوم الدين أو علوم الدنيا والعمران البشري .. ومنها سياسة الدولة والمجتمعات .

وهذا الجمع الإسلامي بين «الأصول» التي لا افتراق فيها .. وبين «الفروع» التي هي مساحة للاجتهادات والتنوع والتيارات والأحزاب.. هو الذي يحقق «التطور» – استجابة لضرورات الزمان والمكان – مع الحفاظ على وحدة الأمة في الهوية والتواصل الحضاري .. أي الجمع بين الوحدة في «الثوابت» والتعددية في «المتغيرات» ..

تلك إشارات إلى بعض من القواعد التي تتأسس عليها نظرة الإسلام للتعددية – ومنها تعددية الأحزاب السياسية .

وإذا نحن نظرنا إلى الحضارة الإسلامية، التي مثلت العمران المصطبغ بصبغة الإسلام، فإننا سنجد كل «الفرق» الإسلامية. من الخوارج.. إلى المعتزلة.. إلى الشيعة الإمامية إلى السلفية – إلى الزيدية .. إلى المرجئة. الخ.. الخ.. قد نشأت جميعها نشأة سياسية، وكانت تيارات وتنظيمات سياسية. أو كانت السياسة واحدة من أبرز مهامها وقسماتها – فهي «أحزاب» سياسية، ذات مناهج فكرية متميزة، وذات سبل متميزة في الإصلاح الفكري والسياسي(3).. وكذلك الحال – إلى حد ما – مع المذاهب الفقهية – حنفية .. ومالكية .. وشافعية .. وحنبلية .. وزيدية .. وجعفرية .. وإباضية .. وظاهرية – الخ.. فجميعها تيارات فكرية، ومدارس سياسية، وأغلبها «تنظيمات» تبلورت مناهجها بالاجتهاد الجماعي، وتميزت كل واحدة منها عن سواها برؤية في الإصلاح – الفكري والاجتماعي والسياسي – ومارست العمل لوضع هذا المنهاج في الممارسة والتطبيق .

بل إننا ننبه على أن بواكير التنظيمات الحزبية السياسية في تاريخنا الحديث، إنما جاءت امتدادًا لتراثنا المؤمن بالتعددية، وليست تقليدًا للتجربة الغربية.. فـ«الحزب الوطني الحر» الذي كونه جمال الدين الأفغاني (1254-1314هـ = 1838-1897م – بمصر – في سبعينيات القرن التاسع عشر.. وكذلك «جمعية العروة الوثقى» – التي كونها في ثمانينيات ذلك القرن – وأيضًا «جمعية أم القرى» – التي كونها عبد الرحمن الكواكبي (1270-1320هـ 1854-1902م أواخر القرن التاسع عشر.. هي تنظيمات حزبية، سابقة – في خبرات التنظيم – التي جسدتها لوائحها – على تجارب الغرب في التنظيم الحزبي.. فهي امتداد لتراثنا في التعددية السياسية والفكرية.. ولخبرات حضارتنا في التنظيمات العلنية والسرية؟!


فعلى حين عاشت الحضارة الغربية – قبل ليبراليتها الحديثة – تنكر التعددية – التعددية الدينية.. بل وحتى تعددية المذاهب داخل الدين الواحد؟! – تميزت الحضارة الإسلامية بالإيمان بالتعددية، كسنة من سنن الله في الخلق، المادي والبشري والفكري.. وتجسد إيمانها هذا في الممارسة والتطبيق

أما عن موقف الإسلام من قيام الأحزاب السياسية على «أسس طائفية ودينية»؟.. فواجب – لجلاء هذا الموقف – الإشارة إلى عدد من الحقائق:

أولا -إن الإسلام في المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية ليس فكرًا «طائفيًا»، ولا أيديولوجية «طائفة».. بل هو عقيدة الأمة وشريعتها وأيديولوجيتها .. أو على الأقل هو فكر الجمهور. فلا يصح أن يوصف الحزب الإسلامي بأنه – في هذه المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية – حزب طائفي.

ثانيا -أن الممنوع إسلاميًا هو التحزب والتفرق في أصل الدين وثوابته.. أما التعددية والحزبية في السياسة.. فإنها تعددية وحزبية فيثانيا «الفروع» وكل تيارات أهل السنة الفكرية تجعل الدولة – الخلافة والإمامة والعمران البشري – من «الفروع» . ومن ثم فالاجتهادات المتعددة، والتنظيمات والحزاب المتعددة بتعدد هذه الاجتهادات أمر وارد وطبيعي في نظر الإٍسلام .

فالأحزاب الإسلامية، تقوم وتجتهد وتختلف في «الفروع».. ومن ثم فقيامها على أساس الأيديولوجية والفكرية الإسلامية أمر طبيعي ووارد..

ثالثا -الحزب «الطائفي» هو الذي تقتصر عضويته على طائفة من المواطنين دون سواها.. وهذا هو الذي يقسم المجتمع إلى طوائف مغلقة.. وهو مالا يحقق المصلحة المبتغاة من وراء قيام الأحزاب السياسية.. وهي مصلحة المشاركة في العمل العام، والاهتمام بشؤون الأمة كلها والإسهام في العمران البشري جميعه .

المصدر
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رجب المرجب 1428هـ = يوليو – أغسطس 2007م ، العـدد : 7 ، السنـة : 31.

أشهر الكتب العربية في السياسة   Leave a comment

أشهر الكتب العربية في السياسة التي تناقش ظاهرة الاستبداد السياسي ، فهي تعود لعبد الرحمن الكواكبي (المتوفي 1320 هـ / 1902م) أ حد أعلام تيار الإصلاح في العالم الإسلامي
ففي كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد يشخص الكاتب ما يسميه داء الاستبداد السياسي، ويصف أقبح أنواعه: استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على العقل

وقرر الكواكبي في كتاباته أنه “يلزم أولا تنبيه حس الأمة بآلام الاستبداد، ثم يلزم حملها على البحث في القواعد الأساسية للسياسة المناسبة لها بحيث يشغل ذلك أفكار كل طبقاتها”، مضيفا أن


“أن الخلاص إنما يكون في الشورى الدستورية”

وهو يضع على الأمة مسؤولية كبيرة في التحرر من الاستبداد الداخلي لأن وجوده مقدمة لتمكن الاستبداد الخارجي، وإذا

لم تحسن أمة سياسة نفسها أذلها الله لأمة أخرى تحكمها، ومتى بلغت أمة رشدها وعرفت للحرية قدرها استرجعت عزتها، وهذا عدل

ويلخص الكواكبي رؤيته للحرية ومشكلات الاستبداد بقوله إن الهدف من الديمقراطية والحرية والعدالة هو خدمة المجموع وسعادته، وهو لا يقصد فقط الحرية السياسية بل كان يرى للديمقراطية مضمونا اجتماعيا، ويراها التزاما للإنسان إزاء قومه ومجتمعه بقدر ما هي تحرير لهذا الإنسان

ومن كلماته المأثورة في تمجيد الحرية والحث على مقارعة الاستبداد، قوله

إن الهرب من الموت موت!.. وطلب الموت حياة!.. (…) والحرية هي شجرة الخلد، وسقياها قطرات الدم المسفوح.. والإسارة (العبودية) هي شجرة الزقوم، وسقياها أنهر من الدم الأبيض، أي الدموع

ومن المشكلات التي تناولتها كتابات الكواكبي “مشكلة الأقليات الدينية”، إذ خاطب المسيحين العرب قائلا لهم إن وحدة الأوطان لا تشترط وحدة الدين، وإن الوفاق الجنسي بينهم وبين المسلمين -باعتبار أن أغلبية العرب منهم- أقوى من الوفاق المذهبي بينهم وبين المستعمرين الأوروبيين.

ويرى الدكتور محمد عمارة -في كتابه “عبد الرحمن الكواكبي.. شهيد الحرية ومجدد الإسلام”- أن الكواكبي كان قوميا عربيا لكنه لا يعزل عروبته وقوميته عن دائرة الجامعة الإسلامية، وكان مصلحا إسلاميا يعمل لتجديد الإسلام كي تتجدد به دنيا المسلمين، لكنه يشدد على تميز الأمة العربية في إطار المحيط الإسلامي الكبير

المصدر
الكواكبي.. مصلح كبير قتلته “طبائع الاستبداد” موقع الجزيرة

رائد فن السياسة في العصور الوسطى   Leave a comment

%d8%aa%d8%b3%d9%87%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%b1-%d9%88%d8%aa%d8%b9%d8%ac%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b8%d9%81%d8%b1

الماوردي

هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي ولد في البصرة(364 – 450 هـ / 974 – 1058 م) أكبر قضاة آخر الدولة العباسية، صاحب التصانيف الكثيرة النافعة، الفقيه الحافظ، من أكبر فقهاء الشافعية

يعتبرالماوردي واحد من ابرز أعلام الفكر السياسي الإسلامي على مر العصور وبرغم من انه كان هناك العديد من المفكرين السياسيين .. إلا انه استطاع أن يثبت نفسه ويبرز ويوضح أفكاره التي لازالت حية حتى عصرنا الحالي.و قد كان معاصرا لخليفتين من أطول الخلفاء بقاء في الحكم
ألف كتاب ” تسهيل النظر وتعجيل الظفر” الذي يعد من أشهر كتب الماوردي في فن السياسة ، ويضم ذلك الكتاب في ثناياه شرحا وافيا للعديد من قواعد السلوك السياسي حيث صورها ذلك الشيخ الجليل لتكون خير طريق مُنار يسلكه الحكام في حكمهم
فيوجه الشيخ البصري حديثه للحاكم أو للسياسي عموما فيحثه على ضرورة الأخذ بالأخلاق ، والتمسك بالفضائل ، فيقول : حق على ذي الإمرة والسلطان أن يهتم بمراعاة أخلاقه ، وإصلاح شيمه ، لأنها آلة سلطانه ، وأس إمرته
فعلى السياسي أن يجعل الاستقامة طريقه قبل أن يأمر رعاياه بها ، وهو مطالب بلزوم مكارم الأخلاق إن أراد الأفضلية لحكومته , ويخبرنا أن الناس على دين ملوكهم
ويسهب الماوردي في نصحه فيحذر الحاكم من الغرور مؤكدا على أن أقدار الملوك تقاس بقدر ما أنجزوا من أعمال وليس بالتكبر والتعالي على المحكومين
وبناء على ذلك فيجب على الحاكم أن يحذر قبول مدح المنافقين ، وعليه التمييز بين الناصح الأمين والمنافق الذي يبتغي مصلحته فقط
وأيضا من أهم القواعد التي قدمها الماوردي للسياسي تلك التي تحث على ضبط اللسان ، في معنى لزوم الصمت إن أمكن ، واجتناب الكلام إلا للضرورة ، فإن كان متكلما لا محالة فعليه التفكير المسبق قبل التفوه بالكلمة ، فيشتمل تفكيره التدقيق في اختياره لألفاظه وعباراته ؛ لأنه محط للأنظار دائما
وعلى الحاكم كتمان السر وضبط أمارات الوجه ، فلا يظهر في وجهه إمارة سخط ، ولا رضا ، ولا يُعرف منها هل هو مسرور أم حزين
وكذلك على الحاكم -فضلا عما تقدم- أن يلتزم الصدق وينبذ الكذب ، لأن الكذب يحط من قدره ، ثم إن مصير الحقيقة الانكشاف
فالحاكم المسلم هو صادق غير كاذب ، وان كان يجوز له الكذب في مواطن معدودة
ومنها في حالة الحرب ، لكي يخدع الأعداء ويفوز بالنصر
ويضيف أيضا من قواعده انه على الحاكم أن يجمع بين أسلوبي الترهيب والترغيب
فيختار لكل موقف مايتناسب معه من هاذين الأسلوبين ، ويجب عليه في كلا الحالتين
أن يحقق وعده أو وعيده على أكمل وجه
ويحذّر فقيهنا السياسي من الغضب وينصح بتجنبه ، لان الغضب يبعد عن الإنسان الصواب
وعلى الحاكم أن يتحلى بالرحمة إذ أن القسوة مرفوضة لدى الماوردي ، لأنها تخل من ميزان العدالة
وكذلك نبّه بأهمية العدل ، في شأن أمور المحكومين ، وأمور الدولة
أما القاعدة الذهبية التي لا ينفك الماوردي من تكرارها ناصحا الحكام بإتباعها فتتمثل بـ الشورى
إذ يرى ويؤكد انه من الخطر استبداد الحاكم برأيه خاصة في الأمور المصيرية ؛ لان ذلك من شأنه وقوع بعض الأخطاء الجسيمة ، وحدوث عواقب وخيمة ،أما استشارة العلماء من ذوي الألباب والرأي الصواب فيساعد في اختيار الخيارات الملائمة
وأيضا يرى الماوردي أن على الحاكم أن يتفقد أحوال رعيته بالسؤال عنهم واستخبارهم ، ويخصص لهذا الغرض عمالا أكفاء، أمينون، مخلصين
وأخيرا وليس آخرا ، فعلى الحاكم إن أراد لدولته البقاء مصاحبة السلام والقوة
فيجب عليه معرفة أحوال البلدان المجاورة له
ويتضح في ثنايا كل ما تقدم من فكر الماوردي المقتبس من الإسلام أنه لا مجال للفصل بين السياسة والأخلاق ؛لأنها تسير في طريق مستقيم ينيره القران الكريم والسنة النبوية الذي يدعوا ويحث لمكارم الأخلاق
فالحاكم في الإسلام هو إنسان فاضل ، ذكي ، فطن ، كريم ، غير غضوب ، كتوم ، ليس متكبرا ، مستخبر لأحوال رعيته ، مهتما لأحوال الدول المجاورة ،وكل ذلك دون أن يخرج عن القيم السامية

الماوردي قدم بحق في ثنايا كتبه العديدة ، قواعد للحكم جاءت كلها مستمدة من القيم الإسلامية الرفيعة ؛ وذلك هو سبب كونها مثالا لما يمكن تسميته بـ فن السياسة الأخلاقي ، في مواجهة الميكافيلية المعروف بها عالم السياسة و اللاأخلاقية التى أسسها ميكيافيللي الإيطالي عام 1513م على مبدأ الغاية تُبرر الوسيلة ، والتى أصبحت مُرادفاً للإنتهازية على مر العصور

من أهم مؤلفاته
كتاب الحاوي الكبير، في فقه الشافعية في أكثر من عشرين جزءًا
كتاب نصيحة الملوك
الأحكام السلطانية والسياسة الدينية والولايات الشرعية

المصدر
الماوردي رائد الفكر السياسي الإسلامي – للدكتور أحمد وهبان –
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة -الماوردي-

%d مدونون معجبون بهذه: