يتضمَّن التراث الإسلامي في مجال الدراسات النفسيَّة دُررًا لم يُكشَف عن كثيرٍ منها إلى الآن، وما ظهر منها ينطوي على قيمة كبرى من الناحية العلميَّة، وقد أثَّرت دراسات ابن سينا والفارابي والغزالي وغيرهم تأثيرًا كبيرًا في علماء الغرب، خصوصًا في بداية النهضة الغربيَّة الحديثة
ولابن سينا قصيدة طويلة مشهورة في النفس وارتباطها بالبدن، ودراسات كثيرة منفصلة عن مؤلَّفاته الكبرى، وهو ما كان له تأثيرٌ كبيرٌ في دراسات فلاسفة الغرب وعلمائه، وفي مقدِّمتهم ديكارت
و بحث ابن سينا في الادراك الحسي وأوضح لنا كيف يدرك العقل الكليات كما اثبت بان للادراك مراتب أدناها الإدراك الحسي وعرفه بانه انتقال صورة الشي الخارجي الى الذهن عن طريق الحواس،كما تحدث ابن سينا ايضاً عن الانفعالات الموجودة لدى الانسان والتي لاتوجد لدى الحيوانات مثل الضحك والبكاء والخجل والتعجب كما ادرك العلاقة بين الامراض الجسمية وعلاقتها بالحالة النفسية وهذا مايعرف اليوم باسم الطب الجسمي النفسي هو فرع من فروع علم النفس لمعاصر
وقد اهتمَّ ابن سينا بالنفس منذ شبابه؛ إيمانًا تامًّا منه بأنَّه مَن عرف نفسه فقد عرف ربَّه، وألَّف كتابًا سمَّاه – رسالة في النفس
اختلفت آراء الفلاسفة القدماء في تفسير الحلم .فلقد كان سقراط يؤمن أن الاحلام مصدرها إلهي وتحدث عن قيام الاحلام بكشف الغيب و التنبؤ عن المستقبل كما إعتبرأفلاطون أن الحلم هو تأمل روح الانسان للحقيقة الابدية.أما أرسطو فأكد في كتبيه عن تعبير الرؤيا في الاحلام أن الحلم لا يملك أن يتنبأ بالمستقبل بل هو صدى للمدركات الحسية التي تصلنا من اليقظة
وظل الاهتمام بموضوع الأحلام لدى الفلاسفة خلال القرون الوسطى، و إختص إبن سينا بدراسته المستفيضة في علم النفس و أكثر من التأليف فيه وخص المقالة الخامسة من الحزء الاول من كتابه الشفاء للابحاث النفسية .ومن اهتمامه بعلم النفس جاء إهتمامه بموضوع بحثنا الاحلام وله في ذلك آراء قيمة سبق بها الكثيرين من علماء النفس فهو يرى
أولا الحلم. خبرة ونشاط إبداعي. إن الحلم خبرة ةتفيد صاحبها فكثيرا ما يحل المرء مشكلة في الحلم أو يعرضها عرضا جيدا و قد يحل مشكلة إستعصى عليه حلها في اليقظة. وقد ذكر ان ديكات العالم المعروف وجد الافكار الرئيسية حول الهندسة التحليلية في حلمين متتابعين
ثانيا الحلم تعبير عن مثيرات خارجية مضخمة
وقد أجريت حديثا تجارب كثيرة لدراسة العلاقة بين الحلم و المثيرات الخارجية
ثالثا الحلم تعبير عن مثيرات داخلية إشباع لحاجة او رغبة
اي ان ابن سينا سبق فرويد و يونغ و غيرهما بالقول إن الحلم تحقيق لرغبة مكبوتة لكنه لم يربطها بالطفولة كما فعل فرويد بل ربطها بحاجات راهنة
رابعا الحلم انذار لمرض و مازال العلم إلى الآن يقول ان المرض العقلي قد يتظاهر اول الأمر في الاحلام ثم يظهر بعد ذلك في اليقظة
خامسا الحلم استمرار لافعال اليقظة
سادسا الحلم يظهر لدى ضعف الحواس الظاهرة و العقل اي ان ابن سينا يرى أن استدعاء الصور و المعاني يحدث في الاحلام تلقائيا و عن غير قصد و بدون إشراف من العقل وحيث أن الاحلام تحدث أثناء توقف كل من الحواس و العقل عن نشاط لذا تبدو كأنها حقيقية
سابعا الحلم و التنبوء (اي الحلم و علاقته بالمستقبل) يرى ابن سينا ان هناك نوعا آخر من الاحلام ينشأ كن اتصال النفس بالمللكوت الأعلى او بالعقل الفعال
و يحدث ذلك اثناء النوم حيث تتلقى النفس الالهام من العقل الفعال ويكون ذلك لها بمثابة الإنذار و الاخبار بما سيكون، و يرى ابن سينا ان الاحلام الناشئة عن الحساسات البدنية كاذبة و يسميها إضافات احلام اما ما يراه الإنسان عن اتصال يالمللكوت الأعلى فهو رؤيا الصادقة
وهكذا يتبين لنا أن ابن سينا سبق الكثيرين بفهم الاحلام فهما علميا أى اقرب الى العلم .. و قد كان حرا في تفكيره لم يقيد نفسه بمذهب معين .. وقد قال بمعظم التفسيرات الممكنة في هذا الموضوع و التي لازالت معقولة ولا زالت تجري عليها البحوث والدراسات حتى الان
واذا كان فرويد ا( مؤسس علم التحليل النفسي) يتباهى بكتابه تفسير الأحلام على أنه أفضل كتبه فابن السينا قد سبقه بما يقارب 900 سنة في محاولته لتفسير علمي للأحلام
مصدر
مجلة الفيصل العدد 14 الاحلام عند ابن سينا بقلم سعيد حافظ يعقوب