في مجال علم دراسة التربة وهو العلم الذي يدرس الترب وتوزعها الجغرافي وتصنيفها من حيث لونها وخصائصها ومنشئها، يؤرخ لنشأة علم التربة أو “البيدولوجيا ” بكتاب “تشيرنوزيوم ” أو “الأرض السوداء ” الذى نشره العالم الروسى “دوكوتشايف عام 1883 م ،وأوضح فيه مفهوم التربة وأهمية العوامل المناخية فى تكوينها . لكن القراءة المتأنية فى تراث الحضارة الإسلامية تؤكد بما لايدع مجالاً للشك سبق علماء المسلمين إلى وضع أصول علم التربة وطبيعة الأراضى على أساس علمى تجريبى وفق ما كانوا يملكون من معطيات وأدوات ، بل إن الكثير من المصطلحات والمفاهيم التى وضعها علماء الحضارة الإسلامية فيما يتعلق بالتربة واستخدامها لا يزال يستخدم حتى اليوم فى علم الأراضى الحديث
ولتجلية هذه الحقيقة الهامة نشير إلى كتاب “جامع فرائد الملاحة فى جوامع فوائد الفلاحة ” لمؤلفه رضى الدين بن محمد الغزى (935 هجرى) الذى تحدث بإسهاب عن نظرية تكوين التربة ،ووصف بوضوح تام الفروق المميزة بين ما يعرف اليوم باسم “التربة السطحية والتربة التحتية ” ، حيث تعتبر الطبقة السطحية من التربة غنية بالمخزون العضوى والمعدنى ،ويكون النشاط الحيوى فيها عالياً، بينما تعتبر الطبقة التحتية ذات خصوبة أقل ،وعادة ما يكون النشاط الحيوى فيها محدوداً ؛لذلك أكد الغزى عند إنشاء بساتين الفاكهة على أن يؤخذ التراب السطحى للحفرة ويوضع جانباً ثم يؤخذ التراب السلفى ويوضع فى الجانب الآخر ،والغرض من هذه العملية دفن الجذور بالتراب السطحى أولاً ؛لاحتوائه على نسبة أكب من المواد الغذائية ،ثم تكمله ردم الحفرة بالتراب السفلى يقول الغزى
تقلب الأرض إذا أريد إنشاء الغراس فيها وهو أن يؤخذ من ترابها ما كان على وجه الأرض ،وقد أثر فيه كل من الشمس والهواء برهة من الزمان فيجعل أسفل الأرض المحفورة ليظهر أثره الجميل بما اكتسبه من الشمس والهواء ،ويكون مجاوراً ومخالطاً لأصول الأشجار المغروسة وعروقها فيربى حملها وينميها بحرارته ورطوبته فينجب بسرعة
كما تحدث عن”التربة المنقولة “على نحو ما يعرف اليوم عندما يحدث انجراف للطبقة السطحية من التربة بفعل الأمطار الشديدة فى الأراضى غير المغطاة بالغابات أو المراعى ،فتزيد الطبقة المنجرفة من خصوبة الأماكن التى تترسب عليها وتضر بالتربة التى انجرفت منها
وأسفر اهتمام علماء المسلمين بالأرض وإعمارها عن حصيلة ممتازة من المعارف المتعلقة بفيزياء التربة واستخدامها فى تصنيف أنواع الأراضى ،مثال ذلك ما توصل إليه هؤلاء العلماء من ربط حالة التربة وخصوبتها بمجموعة من العوامل الفيزيائية تشمل الحرارة والرطوبة والكثافة الظاهرية ،وهو ما نستدل عليه من قول الغزى
اعلم أن الأرض الطيبة هى الحارة الرطبة ،وسواد الأرض دليل على الحرارة .. والأرض الشديدة السواد تحمل الأمطار أكثر من غيرها ،ثم الأرض البنفسجية اللون وتسمى الهندية ،وهى طيبة جداً ، وإذا كانت منتفشة فإنه يجود بها الشجر كثيراً ،وبعدها الأرض الحمراء ،ثم الأرض الصفراء ،والأرض البيضاء أبردها