أول دستور بالمعنى المدني الحديث   Leave a comment

الدُّستورهو عبارة عن مجموعة قواعد مكتوبة وغير مكتوبة، تحمل المبادئ والقيم المُنظّمة للمُجتمع، وتُحدّد صلاحيّات وحُدود السُّلطة السياسيّة، كما تُنظّم السُّلطات وعلاقاتها ببعضها البعض، مع الحفاظ على حُقوق وواجبات الأفراد، ويُنظّم الدُّستور الأمور الداخليّة والخارجيّة للدّولة، كما يُحدّد شكل الدّولة وحكومتها، وهو الذي يُمثّل قُوّة المُجتمع، وأي وثيقة أخرى تتعارض مع الأحكام الواردة فيه تُعد باطلة.

وقد نشات الدساتير منذ القدم رغم انها لم تعرف بالمعنى والاساليب الحديثة التي نجد عليها دساتير اليوم وانما إنبثقت كنصوص وتشريعات اسمى لتحديد العلاقات بين السلطة والافراد من جهة وبين فيما بينهم من جهة اخرى.
ويرى بعض الباحثين ان أقدم قانون تاريخي بهذا المعنى الدستوري يعود الى 4200سنة قبل الميلاد عندما أصدر الفرعون مينا قانون تحوت الا ان هذا القانون كان يركز على اتجاه واحد للعلاقة وهي مسؤولية الشعب إتجاه السلطة بما أنه تضمن في معظمه العقوبات التي تنتظر المخالفين لاي أمر فرعوني.
بينما يرى إختصاصيون آخرين أن القوانين التي وضعها الملك حمورابي الذي حكم بابل بين الفترة (2123 – 2081 قبل الميلاد) تعد أول وأقدم دستور مكتوب في التاريخ حيث تتجاوز مواده نحو 282 مادة قانونية وتشريعية شملت كافة المجالات وفروع القانون الاساسية وتعود شهرة هذا القانون الى البصمة التي تركها في الحضارات القديمة وروح قوانينه المجسدة في شرائع أخرى,حيث ان اليونانيين قديما عرفوا هذا المصطلح بمدلولات أخرى لتنظيم الشان السياسي في دولة المدينة على غرار القانون الذي وضعه دراكون والدستور الذي وضعه آرسطو لاثينا وفرق فيه بين القانون القانون العادي والقانون الدستوري
وفي الاسلام نجد ان الوثيقة التي أعدها الرسول صلى الله عليه وسلم عند وصوله الى المدينة والتي تسمى الصحيفة هي بمثابة وثيقة دستورية وأول دستور بالمعنى المدني الحديث لتنظيم العلاقات العامة في المدينة والعلاقات بين المهاجرين والانصار والعلاقات بين مختلف الطوائف في المدينة كما أن نصوص خطبة حجة الوداع كانت بمثابة المنهاج لبناء دولة ومجتمع الاسلام مابعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
هذه الخطبة جامعة تصلح أن تدرس لكل الأجيال، نستلهم منها الفكر ونخرج منها بالعبر ونتخذها دستوراً في الحياة، فلقد خلدت حروف كلماتها وحفظت سطورها على مر الزمان وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وحق لها أن تخلد وتحفظ, فقد خرجت إلى الوجود على لسان خير الخلق إيماناً، وأطهرهم قلباً، وأصدقهم قولاً.
وقد تحدثت عن مبدأ المساواة ومعياره ، وتعظيم الحرمات، ومبدأ الأمانة وشموليتها ،وصور أداء الأمانة،وإبطال وإلغاء الأعراف والتقاليد المخالفة للشرع وتحريم الربا والتساوي بين الناس أمام حكم الشرع والقانون وتأكيد حق المرأة في الحياة الكريمة، واستقلال شخصيتها

لقد كانت الدولة الإسلامية من أوائل دول في التاريخ أقامت دستوراً، يوضح حقوق رئيس الدولة وواجباته نحو رعيته، ويوضح حقوق الرعية وواجباتها نحو رئيسها، وكان هذا الدستور هو القرآن الكريم المنزل من الله، وفي هذا الدستور شرح لكل الأحكام التي تتطلبها الدولة في مجالات الاقتصاد والأسرة والحرب والسلم والاجتماع والتربية والقضاء إلخ
ويقول المستشرق الروماني جيورجيو:
حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بندا، كلها من رأي رسول الله. خمسة” وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان. وقد دُون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء. وضع هذا الدستور في السنة الأولى للهجرة، أى عام 623م. ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده”.

المصدر
التطور التاريخي والقانوني للظاهرة الدستورية لابراهيم قلواز الحوار المتمدن-العدد: 5252 – 2016 / 8 / 12
خطبة حجة الوداع.. دستور حياة موقع تورس
الشيخ، ممدوح؛ مدخل إلى ثقافة قبول الآخر: رؤية إسلامية (الطبعة الثالثة 2018). المركز الدولي للدراسات والاستشارات والتوثيق

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: