قد يشعر الفرد في هذا العصر، حيث بدأنا ندخل إلى القرن الواحد والعشرين، بأنه أصبح متحضراً، وآزرته التقنيات المتقدمة التي حاز عليها في التحرر من جميع مظاهر الاستعباد التي عانت منها البشرية في العصور السابقة. لقد زادت نسبة التعليم بشكل كبير، وأصبحنا مجتمعات مثقفة تعلم بكل ما يدور من حولها، إن كانت أمور سياسية، علمية، صحية… وغيرها. لكن هذا في الحقيقة ليس سوى خداع بصري. ونحن لا زلنا نرزح تحت أبشع أنواع السيطرة والتحكم والاستبداد، رغم أن الأمر لا يبدو كذلك. جميعنا نزلاء في سجن غير مرئي يُسمى بـ”السوق الاستهلاكية العالمية” التي صممتها الشركات المتعددة الجنسيات طوال فترة القرن الماضي، وعملت على بسط شباكها عبر العالم رويداً رويدا،ً تحت عنوان نشر الحضارة والتقدم، مع أنه كان لها أثراً بالغاً في الانحطاط الروحي والأخلاقي لشعوب العالم أجمع.
إذا تخلّينا عن سطحيتنا المعهودة، وتعمّقنا قليلاً في تفكيرنا، سوف نكتشف بوضوح أننا لسنا أحراراً أكثر من العبيد الذين كانوا يُباعون ويُشترون في القرون السابقة. ومن أجل من لا يعلم بهذا الأمر، سوف أوضّح هذه الفكرة أكثر. هناك نوعان من السجن، السجن المرئي والملموس الذي قد يعاني منه الفرد بشكل مباشر ويدرك انه موجود. وهناك السجن غير المرئي وغير الملموس وله تأثير أكبر وأخطر على الفرد لأنه لا يراه أو يشعر به أبداً رغم تأثيراته السلبية الكبيرة التي يعاني منها يومياً.
فالمسيطرون على مجريات الأمور لا يستطيعون الإبقاء على السيطرة إذا لم يتحكموا بعالم المعرفة الإنسانية من خلال قولبة العالم الأكاديمي حسب الرغبة، وكذلك وسائل الإعلام، وتحديد ما هو الرسمي وغير الرسمي من خلال التشريعات والمراسيم القانونية المحلية والدولية. حيث يتم إنشاء منهج عام يلتزم به الجميع (هذا المنهج الذي تم رسمه ووضعه وترسيخه تدريجياً وببطئ خلال فترة طويلة ومؤامرات كثيرة واغتيالات وتحريف للحقائق وغيرها من إجراءات) يترسّخ ويصبح واقعاً مفروضاً، وحينها سيتابع هذا المنهج أو هذا النظام خطاه من تلقاء نفسه، ذلك من خلال ظهور المسلّمات ثابتة يستحيل على الرعايا التخلي عنها وإلا أصبح الشخص غير سوياً.
المسألة ليست بالبساطة التي نعرفها. هذه المجموعة المتربعة على قمة الهرم العالمي، هدفها هو ليس فقط سياسي أو اقتصادي أو غيره من حجج أخرى يتم تسويقها بين المثقفين الرسميين ومن قبلهم. بل هدفهم الأساسي هو قتل الإنسان في داخلنا… قتل كل ما هو مقدّس… إنهم يقضون عل كل ما هو أصيل في جوهرنا… فقط من اجل خلق الظروف المناسبة التي تمكن الأقلية من السيطرة على الأكثرية. ويبدو أنهم نجحوا في فعل ذلك دون علم أو إدراك منا. والسبب الرئيسي في استمرارية نجاحهم هو عدم معرفتنا بالضبط ما هي أهدافهم الحقيقية. فنحن مشغولون في قتال بعضنا البعض، وكره بعضنا البعض، والتآمر على بعضنا البعض، و… إلى آخره. ولا أحد من بيننا لديه الوقت للنظر إلى الأعلى ويشاهد كل تلك الخيوط المتدلّية من مكان عالي جداً والمربوطة بجميع الأطراف المتصارعة، ويتساءل..من؟ كيف؟ ولماذا؟
في هذا السجن الكبير غير المرئي الذي نعيش فيه، هناك أربعة شباك غير مرئية نتخبّط بها وتمنعنا من التعبير عن حقيقة عظمتنا ككائنات جبارة متعددة الأبعاد. هذه الشباك غير المرئية تطوقنا بحيث لا نستطيع الحراك مع أننا لم نفطن بوجودها أبداً. هذه الشباك تم تصميمها وحياكتها بعناية من قبل المسيطرين، واعتقد بأنهم سيفعلون أي شيء من اجل الإبقاء على استمرارية السيطرة مهما كلّف الأمر. لأنه مجرّد ما نجحت الشعوب في الإفلات من هذه الشباك، هذا يعني نهاية السيطرة وانعدام القدرة على الضبط والتحكم.
المجالات التي يسيطرون عليها وتمنعنا من التعبير عن حقيقتنا
الإنسان العصري على حقيقته
التربية المضادة للقدرات الروحية الأصيلة
(الأدوية، طريقة الحياة…)
(الزراعة، والصناعات الغذائية..)
(الكهرباء، الوقود..)
إننا ننشئ أطفالنا على حقيقة أن المال هو الطريق الوحيد للخلاص..
فنمضي باقي حياتنا نلاحق هذا الطريق… المؤدي إلى جحيم الأسر والاستبداد
بعد أن تعرّفنا على الوسائل التي يسيطرون علينا من خلالها، بهدف منعنا من التعبير عن حقيقة عظمتنا ككائنات جبارة متعددة الأبعاد، وقتل الإنسان الحقيقي في داخلنا… وقتل كل ما هو مقدّس وأصيل في جوهرنا… فقط من اجل خلق الظروف المناسبة التي تمكن الأقلية من السيطرة على الأكثرية، نكون قد تعرّفنا على الطبيعة الحقيقية للعبة العالمية التي يشركونا فيها دون علم أو إدراك منّا. هذه اللعبة التي مكّنتهم، في هذا العصر الحديث، من السيطرة علينا ومنعتنا من التعبير عن حقيقتنا، تتمثّل بعدة مجالات أهمها: الروح (طريقة التفكير)، الصحة، الغذاء، الطاقة.. هذه اللعبة، بمجالاتها الأربعة
اترك تعليقًا