يقول ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع : (إنما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها).أي أن الأمة المَغْزُوَّةَ غزوًا ثقافيًّا فكريًّا لا مَحَالَةَ تنهزم انهزامًا نفسيًّا وتندفع إلى تقليد الأمة الغازية القاهرة، التي تكون قد فرضت عليها تقليدَها وعاداتِها
هذا الشعوربالهزيمة النفسية أمام الغرب المستبذ ، أدت إلى فقدان كثير من المسلمين ثقتهم بنفسهم،وأصبح الإحباط يسيطر على النفسية و بات ينظر إلى تفوق الغرب على أنه أمر واقع لا يمكن دفعه ولا طاقة لنا بدفعه وليس أمامنا إلى الاستسلام له والتعايش معه وصار ينظر إلى مقاومته على أنه نوع من الانتحار والعبث الذي لن يجدي شيئا وكانت هذه الهزيمة النفسية تبرر باسم الواقعية
وقد بلغ الغزو الثقافي الغربي ذروته في القرن العشرين، وإعتمد في غزوه للعالم العربي والإسلامي على كل من الفكرة، والرأي، والحيلة، والنظريات، والشبهات، وخلابة المنطق، وشدة الجدل، وغسل الأدمغة، وتخدير العقول، وزعزعة الإيمان بأصالة الثقافة الإسلامية، عن طريق فرض الثقافة والحضارة الغربية بتلميعها في نظر الشباب الذي فتح عينيه على مُعْطَيَات الحضارة الغربية التي بدت خلابة باهرةً للألباب، خاطفةً للأبصار.
وكان من أهم مجالات الغزو الثقافي مايلي:
أولًا: مجال التعليم والتربية؛ حيث صاغ الغربُ عن طريق هذا الغزو العربَ والمسلمين في بوتقة الثقافة الغربية وقالب الحضارة التي طَوَّرَها، فعَمِلَ على ترغيب الأمة العربية والإسلامية في ترك الدين جانبًا؛ لتتقدم كما تَقَدَّمَ الغربُ! فتَشَجَّعَتْ على تنحية الدين عن مناهج المدارس والكليات والجامعات التي يتم فيها تدريسُ العلوم العصرية.
كما حَرَّضَ الغربُ العربَ والمسلمين على التوسّع في عمليَّات الابتعاث للدول الغربية للالتحاق بجامعاتها؛ ليتم صناعة الأجيال العربية مصوغةً في بوتقة حضارة الغرب وثقافته، وبالتالي إعدادها – الأجيال – لتَوَلِّي القيادة في مجتمعاتها العربية والإسلامية، لكي تقوم بدور العُمَلَاء الأَوْفِيَاء للغرب، وتَتَوَلَّىٰ تشويه التاريخ الإسلامي عن طريق المُقَرَّرَات الدراسيّة، وإنشاءَ مدارس غربيّة المناهج في ديارها العربية الإسلامية، وتُبْعِدَ فيها النشءَ المسلمَ عن اللغة العربية، لكي يسهل إبعادُها عن الدين الإسلامي.
ثانيًا: مجال اللغة العربية، فقد عمل الغرب بوسائل متنوعة وحيل ماكرة كثيرة، على محاربة اللغة العربية باعتبارها وسيلةَ تعبير مباشرة في الدين الإسلامي عن المُعْتَقَدَات والأحكام والتعليمات التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم- من عند ربّه، لخير البشرية جمعاء، فهدمُ العربيّة كان محاولةَ هدم للتعاليم الإسلامية، وانتزاعِ مفتاحٍ لفهم الكتاب والسنة عن الأمتين العربية والإسلامية.
ثالثًا مجال الإعلام: اتَّخَذَ أعداء الأمة العربية والإسلامية وسائلَ الإعلام وسيلةً فعّالةً، لتنفيذ غزوهم الثقافي والفكري، علمًا منهم أنها تعمل في الرأي العامّ ما لا تعمله أي وسيلة أخرى، فشحنوها ببرامج مُدَمِّرَة متّصلة للأخلاق والمروءة والإنسانية وما يمتاز به الإسلام عن غيره من الخصائص التي تضع الفرق بين الإنسان والبهائم، واستخدموها لتجريد الأمة من هُوِيَّتها الإسلاميّة.
رابعًا مجال الحياة الاجتماعية: حاول الغرب أن يُدَمِّرَ في العرب خصوصًا والمسلمين عمومًا القِيَمَ الخلقية والأخلاق الإسلامية والتقاليد الدينية، والعادات الموروثة النبيلة، بفرض التيارات الغربية المُدَمِّرَة للحياة الاجتماعيّة، فابتعد المسلمون عن قِيَمِهم الأصيلة التي ظَلُّوا شَامِّين بها بين الأمم كلها، فذابت هُوِيَّتهم أو كادت، وامَّحَتْ شخصيتُهم أو أَوْشكتْ.
وإذا كان الغزو العسكريّ يهدف أصلًا إلى إحتلال الأرض، و خطره محدودًا نسبيًّا. فإن الغزو الثقافي يهدف أولًا وأخيرًا إلى إحتلال العقل والفكر وتغيير النفسيّة؛ ولذلك يكون هو أشَدَّ خطرًا من الغزو العسكري
هذا الغزو الثقافي الغربي أخطر من جميع أنواع الغزو الغربي. وكل ما نراه من المفاسد المدمرة في العالمين العربي والإسلامي، التي جَرَّدَت المسلمين من معنوياتهم، وجعلتهم جسدًا بلاروح أو هيكلًا خشبيًّا لا يُؤَدِّي دورًا في الحياة، إنما هو نتيجة لهذا الغزو الذي أحكم اليوم قبضتَه، وعَزَّزَ سيطرته، واستعبد العقول، وسَخَّرَ القلوب، وخَدَّر وعيَ المثقفين بالثقافة الغربية والقادة والحكام الذين يحكمون البلاد على وحي من الغرب، وإملاء غير مباشر من الصهيونية والصليبية التي لم ولن تفترا في محاربتهما للإسلام والمسلمين، والعرب والعروبة
المصدر
الغزو الثقافي أو الفكري ظَلَّ أخطر بجميع المقاييس من الغزو العسكري مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العـــــــــــــــــــلوم ديــــــــوبنــــــــــــــــــــد ، شعبان 1439 هـ = أبريل – مايو 2018م ، العــــــــــــدد : 8 ، السنــــــــــــــــــــــة : 42 االكاتب نور عالم خليل الأميني
اترك تعليقًا