أسباب تخلف المسلمين التاريخية   Leave a comment

كان للحروب الصليبية التي إمتدت من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096 م – 1291 م)، أثراً كبيرا على العالم الإسلامي شأنها شأن أي محتل فتأثيرها إمتد على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية .
وما كادت هذه الحروب أن تنتهي حتى بدأ الغزو المغولي الذي أسقط الدولة الخوارزميَّة التي شكَّلت الخط الدفاع الإسلامي الأوَّل ضدَّ الهجمات المغوليَّة سنة 1220م ،وبعد سنوات قليلة عام 656 هـ /1258م سقطت بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية .
وشكَّل اجتياح المغول لِبغداد ودكِّهم معالم الحضارة والعُمران فيها وقتلهم أهلها كارثةً كُبرى للمُسلمين، بل كارثة الكوارث في زمانها. إذ احترقت الكثير من المُؤلَّفات القيِّمة والنفيسة في مُختلف المجالات العلميَّة والفلسفيَّة والأدبيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وغيرها، بعد أن أضرم المغول النار في بيت الحكمة، وهي إحدى أعظم مكتبات العالم القديم آنذاك، وألقوا بالكُتب في نهريّ دجلة والفُرات، كما فتكوا بالكثير من أهل العلم والثقافة، ونقلوا آخرين معهم إلى إلخانيَّة فارس، ودمَّروا الكثير من المعالم العُمرانيَّة من مساجد وقُصور وحدائق ومدارس ومُستشفيات. ومن نجا من الأهالي من المذبحة أُصيب بالأمراض والأدواء التي انتشرت في الجو نتيجة كثرة القتلى، وبعض هُؤلاء مات أيضًا. نتيجةً لِذلك، عدَّ الكثير من المُؤرخين المُسلمين والغربيين سُقوط بغداد نهاية العصر الذهبي للإسلام،
فيما يراه المُؤرخون المُعاصرون بداية انحدار الحضارة الإسلاميَّة وتراجُعها، ذلك لأنَّ بعض المُنجزات الحضاريَّة استمرَّت بالظُهور (ولو على نحوٍ أقل) حتَّى ذُروة العصر العُثماني وتحديدًا زمن السُلطان سُليمان القانوني
كان لِسُقوط بغداد دويٌّ هائلٌ وعميقٌ في مُختلف أنحاء العالم الإسلامي. واهتزَّ الحُكَّام المُسلمون في المناطق المُجاورة لِهذا الحدث الجلل. واعتبر المُسلمون في كُلِّ مكان، أنَّ سُقوط الخلافة العبَّاسيَّة صدمةٌ مُريعة، وتحديًا مُخيفًا، كان لهُ أسوأ الأثر في نُفوسهم. فعلى الرُغم من أنَّ الخِلافة ظلَّت مُنذُ زمنٍ طويلٍ تفقدُ قدرًا كبيرًا من سُلطتها الماديَّة، فإنَّ مكانتها الأدبيَّة والروحيَّة لا زالت قويَّة. فبكى بغداد الكثير من المُؤرخين والباحثين والعُلماء، منهم ابن الأثير الذي قال: «لَقَد بَقِيتُ عِدَّة سِنِينَ مُعرِضًا عَن ذِكرِ هَذِه الحَادِثَة اسْتِعْظَامًا لَهَا، كَارِهًا لِذِكرِهَا، فَأَنَا أُقَدِّمُ إِلَيهِ رِجلًا وَأُؤَخّّرُ أُخرى، فَمَن الذِي يَسهُلُ عَلَيهِ أَن يَكتُبَ نَعيَ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ؟ وَمَن الذِي يَهُونُ عَلَيهِ ذِكرُ ذلِكَ؟ فَيَا لَيْتَ أُمِّي لَم تَلِدُنِي، وَيَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ حُدُوثَهَا وَكُنتُ نَسيًا مَنسيًّا»

المصادر

Matthew E. Falagas, Effie A. Zarkadoulia, George Samonis (2006). “Arab science in the golden age (750–1258 C.E.) and today”, The FASEB Journal 20, pp. 1581–1586.
جورج صليبا (1994), A History of Arabic Astronomy: Planetary Theories During the Golden Age of Islam, pp. 245, 250, 256–7. New York University Press, ISBN 0-8147-8023-7.
الصبَّاغ، مُحمَّد بن لُطفي (شوَّال 1404هـ). “مجلَّة البُحوث الإسلاميَّة، دراسات تاريخيَّة – العدد العاشر”. الرئاسة العامَّة لِلبُحوث العلميَّة والإفتاء بالمملكة العربيَّة السُعوديَّة. مؤرشف من الأصل في 6 يوليو 2020.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: