الخطأ الطبي الذي أدى الى ظهور التخصصات الطبية

يروي المقريزي من الحوادث التي كادت تودي بحياة الطبيب إبن الجزار القيرواني حادثته مع المنصور – وهو أمير تونس- حيث أصيب المنصور بالمرض نتيجة البرد و الثلوج أثناء سفره، و في طريق عودته أراد أن يدخل الحمام فنهاه طبيبه بن سليمان الإسرائيلي عن ذلك لكنه خالفه و دخل الحمام، فنتج عن ذلك فناء حرارته الغريزية و ذهبت قدرته على النوم، فبدأ الإسرائيلي بتشخيصه و علاج مرضه لكن السهر لازمه، فاشتد ذلك على المنصور و طلب طبيباً آخر فأحضروا له ابن الجزار – و هو شاب في ذلك الوقت- فجمع له ابن الجزار نباتات مخدرة ليشمها لينام، فجاءه الإسرائيلي ليدخل عليه فقيل له انه نائم فقال : ان كان قد صنع له شئ لينام به فقد مات، فتفقدوه فإذا هو قد مات بالفعل، فهموا بقتل ابن الجزار الذي صنع له المنوم لكن الإسرائيلي دافع عنه بأنه فعل ما يفعله الأطباء و انما جهل أصل المرض و تشخيصه
هذا الخطأ لم يتعامل معه الطبيب التونسي المسلم إبن الجزار القيرواني، على أنه حافز لترك الطب، بل كان هذا الخطأ هو الدافع الذي أهله لمكانة أحد أهم الأطباء في العالم حتى الآن؛ ولأن السبب في وفاة المنصور أن الجزار لم يتبين التشخيص الصحيح للمرض؛ فحسم الجزار أمره بأن الطب يجب أن ينقسم إلى تخصصات، ولا يجب على الطبيب أن يخلط بين إصابة عجوز بمرض، وإصابة طفل بنفس المرض
فطريقة العلاج يجب أن تكون مختلفة، ومن هُنا بدأت التخصصات الطبية التي اتبعها العالم بأكمله مثل طب الأطفال والذي كتب فيه الجزار «سياسة الصبيان وتدبيرهم» واختاره تخصصًا لعلمه في النهاية، وطب النساء والتوليد وغيرهما من التخصصات، وإذا كنت طبيبًا وتشعر بالغضب أنك مضطر لاختيار تخصص بعد دراستك للطب فترة طويلة، فربما عليك شكر الطبيب المسلم الجزار قبل أن تغضب منه؛ فوصوله لهذا الاكتشاف كاد أن يودي بحياته
اترك تعليقًا